كتاب الحديث والمحدثون

والبحث في تاريخهم، ولا عليهم بعد ذلك أن كان ما يصدر عن هؤلاء الرواة، صحيحا في نفسه أو غير صحيح، معقولا أو غير معقول "ثانيا"، وأنه لا يمكن الوثوق بالأحاديث المدونة، حتى في الصحيحين والسنن وما في رتبتها؛ لأنها نقلت إلى مصنفيها، مغيرة الألفاظ، مبدلة المعاني، نتيجة للرواية بالمعنى، ذلك أن الأحاديث لم تدون في عهد النبوة، كالقرآن، بل ثبت النهي عن كتابتها، واستجاب الصحابة لهذا النهي، بل ثبت عنهم -فيما يزعم- أنهم كانوا يرغبون عن رواية الحديث، وينهون الناس عنها، ولما رأى بعض الصحابة أن يروو للناس، استباحوا لأنفسهم الرواية على المعنى، فغيروا وبدلوا، ثم سار على سبيلهم كل من جاء من الرواة بعدهم، وهكذا ظلت الألفاظ تختلف، والمعاني تتغير بتغير الرواة، إلى عهد التدوين في القرنين الثاني والثالث، وكان من ذلك ضرر كبير في الدين، واللغة والأدب "ثالثا"، وأنه قد اندس بين الرواة من تظاهر بالإسلام والصلاح، من أرباب الملل الأخرى، فأدخلوا في الحديث كثيرا من الإسرائيليات والمسيحيات، التي راجت على رجال الحديث، فقبلوها فيما يزعم.
وقد أخذ يشكك في جميع أنواع الحديث، حتى في الحديث المتواتر، فيقولمروجا لعقيدة صلب المسيح ما نصه: "وقد انكر المسلمون أعظم الأمور المتواترة، فالنصارى والهيود هما أمتان عظيمتان يخبرون بصلب المسيح، والإنجيل يصرح بذلك، فإذا أنكروا هذا الخبر وقد وصل إلى أعلا درجات التواتر، فأي خبر بعده يمكن الاعتماد عليه، والركون إليه". ا. هـ، وأني أقول له أي خبر ينكره المسلمون؟ إن كان هو زعم النصارى واليهود صلب المسيح، فالمسلمون ينسبون إليهم ذلك الزعم، والقرآن الكريم يحكي عن اليهود قولهم: {إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ

الصفحة 502