كتاب الحديث والمحدثون

مَرْيَمَ} ، وإن كان هو وقوع صلب المسيح حقيقة، فالقرآن يبطله في قوله: {وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ} ، فدعوى حصوله باطل من القول فضلا عن دعوى تواتره، ودعوى أنه في كتب الله المنزلة.
ويقول هذا المؤلف أيضا: "ولو أن الحديث قد دون في عصر النبي، كما دون القرآن، واتخذ له من وسائل التحري، والدقة مثل ما اتخذ للقرآن، لجاء كله متواترا كذلك، ولما اختلف المسلمون فيه هذا الاختلاف الشديد، الذي لم يستطع أحد -على مد العصور- تلافيه". ا. هـ.
وهو يعترف أن عدم تدوين الصحابة للحديث، كان بأمره صلى الله عليه وسلم، فهذا منه إما طعن في الجناب النبوي الكريم -وحاشاه- بالتقصير، وفتح باب الاختلاف الشديد الذي لا يمكن تلافيه، وأما أبعاد للسنة عن حظيرة الاستدلال بها في الدين، ولذلك لم تنل حظها من العناية في زعم الكاتب، وهذا وذاك إثم كبير، واتباع لغير سبيل المؤمنين، وأنا نبرأ إلى الله من مثل هذه الأفكار الخبيثة.
والدعوة إلى نبذ السنة دعوة إلى التلاعب بالقرآن الكريم، وماذا يبقى من الإسلام إذا سرنا كما يريد هؤلاء، وهل للصهيونية والصليبية مطمع وراء هذا. قال الأستاذ الشيخ "محمد رشيد رضا"، رحمه الله وعفا عنا وعنه، ناعيا على هؤلاء الأغرار مسلكهم: "ومن الغريب أننا نرى أمم العلم، والحضارة تعني بحفظ ما ينقل عن علمائها وأدبائها، في التشريع والحقوق، والحكم، والآداب، ويفاخر بعضهم بعضا بهم وبآثارهم، ونرى هؤلاء المخدوعين من مبتدعة المسلمين، لا يكتفون بهضم حقوق علماء ملتهم، ومؤسسي حضارتها ومجدها بالعلم والعمل، والسياسة والآداب، بل ينبذون سنة الرسول الذي يدعون اتباع ملته،

الصفحة 503