كتاب الحديث والمحدثون

والمسلمون -ولا سيما العلماء والحكام- إزاء هذه الحملات الظالمة المتلاحقة، عليهم أن يجاهدوا في الله بأنفسهم، وأقلامهم وألسنتهم وأموالهم، حتى يكون الناس على بينة من أمر دينهم.
وكان ممن جاهد بعلمه في هذا الظرف العصيب، أخونا وزميلنا العلامة الفاضل، الأستاذ الشيخ محمد محمد أبو زهو من علماء الأزهر الشريف، إذ أخرج كتابه القيم "الحديث والمحدثون" في أحسن حلة، وأبهج صورة بعد أن راجعه وهذبه، وأضاف إليه بعض المباحث الهامة، فكان هداية ونورا، يأخذ بيد الحائر إلى طريق الحق، وسبيل الصواب، ويدفع في صدر المعاند الجاحد بأمضى حجة، وأقوى برهان.
ولقد قرأت هذا الكتاب جميعه على مكث، ققبل أن يقدم إلى الطبع قراء فحص وبحث، فراقني منه سلامة الترتيب والتبويب، وقوة الحجة ونصوع الفكرة، والوصول إلى الهدف من أقرب الطرق، وأقوم السبل، باسلوب هادئ مشرق. يأتي على شبه القوم من القواعد، ويكشف عن جهلهم الفاضح، وكذبهم الآثم، وضلالهم المبين، ويبين ما السنة في جميع عصورها من منزلة رفيعة، ومكانة سامية، وعناية تامة، وما قام به علماؤها، الذين اختارهم الله لصيانتها، فزين قلوبهم بالإيمان، وأعانهم على حفظ السنن والآثار، وحبب إليهم الرحلة والأسفار، وفراق الأهل والأوطان، فتجردوا للحديث وطلبوه، وسألوا عنه وأحكموه، وذاكروا به ونشروه، وتفقهوا فيه وأذاعوه، وكشفوا عن حال الرواة الأثبات، والعدول الثقات، كما كشفوا عن حال المجهولين والمجروحين، والضعفاء والمتروكين، حتى حفظ الله بهم الدين على المسلمين، وجعلهم عن التنازع أئمة الهدى، ومصابيح الدجى.

الصفحة 505