كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

التفاوت بينها لم تجز له رواية ما سمعه بالمعنى, بل يجب أن يحكي اللفظ الذي سمعه من غير تصرف فيه.
ثم اختلفوا في جواز الرواية بالمعنى للعالم العارف الخبير.
فمنها أيضا كثير من العلماء بالحديث والفقه والأصول ومنهم ابن سيرين, وأبو بكر الرازي من الحنفية, وروي عن ابن عمر.
وبعضهم قيد المنع بأحاديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- المرفوعة وأجازها فيما سواه وهو قول الإمام مالك رواه البيهقي عنه في المدخل. وبه قال الخليل بن أحمد, واستدل له بحديث: "رب مبلغ أوعى من سامع" فإذا رواه بالمعنى فقد أزاله عن موضعه ومعرفة ما فيه, وبعضهم قال بجوازها إذا نسي اللفظ وتذكر المعنى لأنه وجب عليه التبليغ, وقد تحمل اللفظ والمعنى, وعجز عن أداء أحدهما فيلزمه أداء الآخر, وقيل عكسه: وهو الجواز لمن يحفظ اللفظ ليتمكن من التصرف فيه دون من نسيه, وجزم القاضي أبو بكر بن العربي في "أحكام القرآن" بجواز ذلك للصحابة دون غيرهم لأنا لو جوزنا لكل أحد لما كنا على ثقة من الأخذ بالحديث، والصحابة قد اجتمع فيهم أمران:
1- الفصاحة والبلاغة بالجبلة والسليقة.
2- ومشاهدة أفعال النبي -صلى الله عليه وسلم- وسماع أقواله. فأفادتهم المشاهدة عقل المعنى جملة واستيفاء القصد كله, وليس من أخبر كمن عاين.
والأصح جواز الرواية بالمعنى إذا كان عالما خبيرا بما ذكرناه قاطعا بأنه أدى معنى اللفظ الذي بلغه عند الجمهور سلفا وخلفا ومنهم الأئمة الأربعة, وذلك لما يأتي:
1- لأن ذلك هو الذي تشهد به أحوال الصحابة والسلف الأولين. وكثيرا ما كانوا ينقلون معنى واحدا بألفاظ مختلفة, وما ذلك إلا لأن معولهم كان على المعنى دون اللفظ.

الصفحة 145