كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

وأن الكثير من الأحاديث رويت على ألفاظها ولا سيما الأحاديث القصار وأن الذين أجازوا الرواية بالمعنى من السلف فمن بعدهم أجازوها بشروط وتحوطات بالغة الغاية في الدقة والأمانة في الرواية. وتبعد الشك والارتياب. فمن ثم نرى -ونحن على يقين واطمئنان- أن الرواية بالمعنى لم تدخل على الدين ضررا ولا على السنة تحريفا وتبديلا كما زعم بعض المتخرصين والمغرضين وذوي الأهواء المضللة الذين ألفوا في الأحاديث. وطلعوا على الناس بكتب فجة, وآراء مبتسرة عارية عن التحقيق والأصالة في البحث, كما صنع صاحب كتاب "أضواء على السنة المحمدية" فكن من سمومه على حذر, ولا تلق إليه بإلا, فإنما هو بوق من أبواق الدخلاء والمستغربين، والمستشرقين وأعداء الإسلام والمسلمين.
"المسألة الخامسة": هل يجوز اختصار "الحديث"؟ 1:
اختلف العلماء في رواية بعض الحديث دون بعض, فمنعه بعضهم مطلقا بناء على منع الرواية بالمعنى, ومنعه بعضهم مع تجويزها إذا لم يكن رواه هو أو غيره على التمام قبل هذا وإلا جاز، وجوزه بعضهم مطلقا. وينبغي تقييده بما إذا لم يكن المحذوف متعلقا بالمذكور تعلقا يخل بالمعنى حذفه. كالاستثناء والشرط والغاية ونحوها والصحيح التفصيل: فإن كان غير عالم امتنع ذلك، وإذا كان عالما جاز إذا كان ما تركه متميزا عما ذكره غير متعلق به بحيث لا يختل البيان، ولا تختلف الدلالة بتركه، سواء جوزنا الرواية بالمعنى أم لا، وسواء رواه قبل تاما أم لا، لأن ذلك بمنزلة خبرين منفصلين ثم هذا إن ارتفعت منزلته عن التهمة، فأما من رواه تاما، فخاف إن رواه ناقصا أن يتهم بزيادة أولا،
__________
1 هكذا جاء في بعض كتب علوم الحديث "اختصار" انظر تدريب الراوي ص315، والدقيق أن يعبر بالاقتصار ويكون العنوان هل يجوز الاقتصار على بعض الحديث دون بعض والفرق بينهما أن الاقتصار ذكر بعض الحديث وترك بعضه، وأما الاختصار فهو الإتيان بالمعنى بعبارة وجيزة.

الصفحة 148