كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

هذه الآداب متبعة في الجامع الأزهر الشريف بكلياته ومعاهده، وغيره من الجوامع العلمية الإسلامية إلى عهد قريب, ونرجو أن تعود اليوم كما كانت, ومن العجيب أن هذه الآداب التي ذكرها المحدثون منذ بضعة عشر قرنا هي أمنية الأماني التي تنشدها الجامعات عربية وغير عربية في العصر الحديث بل وغيرها من جامعات الدنيا.
ولا يمنعه الحياء والكبر طالب العلم من الاستفادة وأخذ العلم ممن دونه في النسب أو السن أو العلم أو نحوها, قال عمر رضي الله عنه: "من رق وجهه رق علمه" وقال أيضا: "لا تتعلم العلم لثلاث ولا تتركه لثلاث: لا تتعلم العلم لتمارس به، ولا ترائي به، ولا تباهي به، ولا تتركه حياء من طلبه، ولا زهادة فيه، ولا رضا بجهالة". وقالت السيدة عائشة: "نعم النساء نساء الأنصار لم يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين", رواه البخاري، وذكر البخاري عن مجاهد -تعليقا- قال: "لا ينال العلم مستحي ولا مستكبر", وقال وكيع: "لا ينبل الرجل من أهل الحديث حتى يكتب عمن هو فوقه, وعمن هو مثله, وعمن هو دونه", وقال الأصمعي: "من لم يحتمل ذل التعليم ساعة بقي في ذل الجهل أبدا".
"المسألة الثانية": من آداب طالب الحديث أن يبدأ بالسماع, والاستفادة من أرجح شيوخ بلده إسنادا، وعلما وشهرة، ودينا، وزهدا، وغيرها إلى أن يفرغ منهم, ومن تفرد بشيء أخذه عنه أولا، فإذا فرغ من أخذ المهمات منهم فليرحل إلى سائل البلدان والأمصار, على ما كانت عليه عادة الحفاظ المبرزين, ففي الرحلة أمران: أحدهما: تحصيل علو الإسناد وتقديم السماع. والثاني: لقاء الحفاظ والعلماء والمذاكرة لهم والاستفادة منهم".
وإن كان الأمران موجودين في بلده ومعدومين في غيره فلا فائدة في الرحلة, أو موجودين في كل منهما فيحصل حديث بلده ثم يرحل, وإذا

الصفحة 180