كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

فيهم من يعرف القراءة، ويجيد الكتابة فهم قلة جدا ... وكان ديدنهم التكاثر، والتنافر، والتفاخر, بالأحساب والأنساب والتنابذ بالمعايب والألقاب.
كما كانوا يحافظون أشد المحافظة على صفاء أنسابهم وصيانتها من الهجنة والاختلاط, فمن ثم عنوا بحفظ أنسابهم وما كان لآبائهم وأسلافهم من أمجاد ومفاخر, وما كان لأعدائهم من مثالب ونقائص. وما كان بينهم وبين غيرهم من حروب ووقائع. فكان من الضروري لهم أن يعلموا ما يؤدي به هذه الأغراض.
ولما كانوا ليسوا ممن يخط بالقلم لم يكن لديهم من الكتب والصحف ما يقيدون فيه هذه المفاخر أو المثالب أو الوقائع وما فيها من البطولات كان لا بد لهم من الاعتماد على الحفظ والذاكرة. فمن ثم نشأت عندهم ملكة الأخذ عن الغير, وتحمل بعضهم عن بعض حتى كان الواحد منهم كأنه سجل يدون فيه التاريخ. وكان الواحد منهم يعظم في قومه بمقدار ما يحفظ من الأنساب والأحساب, وطبعي أنهم لم يكونوا في هذا سواء, بل كانوا متفاوتين في الحفظ والضبط على قدر تفاوتهم في الاستعداد والأحوال والملابسات, فمنهم ما يتعلق ببعض القبائل, ومنهم من كان يقتصر على حفظ ما يتعلق بنسب قبيلته ومفاخرها.
وأيضا فقد كان الشعر يعتبر سجل العرب وديوانهم, وكان الشاعر يعتبر لسان القبيلة المتغني بفضائلها, والذائد عن عرضها, فكان يقوم مقام وسائل الإعلان والدعاية في عصرنا هذا من نشر وصحافة وإذاعة. ولذلك ما كانوا يسرون بشيء أعظم من سرورهم بشاعر ينبغ في القبيلة قال ابن رشيق في العمدة: "وكانوا -أي العرب- لا يهنئون إلا

الصفحة 43