كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

يقول: بحسب المرء من الكذب أن يحدث بكل ما سمع" رواه مسلم. وهي دعوة صادقة إلى التثبث، فإن المرء إذا حدث بكل ما سمع فإنه يقع في الكذب لا محالة إذ هو يسمع في العادة الصدق والكذب, فإذا حدث بكل ما سمع فقد كذب لإخباره بما لم يكن, وقال: "ما أنت بمحدث قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة. رواه مسلم في مقدمة صحيحه. وهو دعوة إلى تحري الصدق فيما ينقل وتخير ما يليق بحال السامعين وهذا أسس من أسس التربية الصحيحة التي سبق إليها الإسلام وعمل بها الصحابة الأجلاء الكرام.
ولم تكن مراجعة بعض الخلفاء وغيرهم لبعض الصحابة وطلبهم راويا أو استحلافهم عند الرواية طعنا في عدالتهم ولا تكذيبا لهم. كما هرف به بعض أعداء الإسلام الحاقدين على صحابة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكن ذلك كان على سبيل التحوط للرواية, والتثبت من المرويات, ولتكون سنة متبعة لمن يأتي بعدهم, وليس أدل على هذا من قول الفاروق -وهو من هو في الجهر بالحق وعدم المداهنة- لسيدنا أبي موسى الأشعري: "إن كنت لأمينا على حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ولكني أردت أن أستثبت"!! فكيف يتقول متقول بعد هذا؟!
وكذلك لم يكن إكثار المكثرين من الصحابة في الرواية تساهلا في المروايات, أو اختلافا من عند أنفسهم كما زعم بعض المتخرصين بالباطل, وإنما كان ذلك لعوامل أخرى كطول العمر, والتفرغ للعلم والرواية وقلة الاشتغال بأمور الدنيا, وسكنى الأمصار التي يقصدها العلماء وطالبو الحديث.
التثبت في عصر التابعين ومن بعدهم:
وكذلك سار على سنة التثبت في الرواية والتدقيق فيها العلماء

الصفحة 63