كتاب الوسيط في علوم ومصطلح الحديث

وكانت قد ظهرت الخلافات السياسية والمذهبية, والعصبيات الجنسية وأطل الزنادقة وأعداء الإسلام برءوسهم, ووجد هؤلاء وأولئك مجالا لتأييد نحلهم ومذاهبهم وآرائهم وإرضاء أحقادهم فشرعوا يضعون بعض الأحاديث لذلك حتى كاد الباطل أن يلتبس بالحق, وأن يلبس الكذب ثوب الصدق.
"متى بدأ التدوين؟ ":
فرأى الخليفة الراشد عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه جمع الأحاديث والسنن في الصحف, وأن تدون تدوينا عاما في الكتب حتى لا يختلط الصحيح بالزائف, وحتى لا يضيع منها شيء يموت حفاظها, فكتب إلى عماله في الأمصار الإسلامية يأمرهم بذلك, وكتب بذلك أيضا إلى العلماء المبرزين في الأقطار, وكان ذلك على رأس المائة الأولى1. روى الإمام مالك في الموطأ, رواية محمد بن الحسن أن عمر بن عبد العزيز كتب إلى أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم2: "أن انظر ما كان من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أو سننه أو حديث عمر أو نحو هذا فاكتبه, فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء, وأوصاه أن يكتب ما عند عمرة بنت عبد الرحمن الأنصارية, والقاسم بن محمد بن أبي بكر" ورواه الإمام البخاري في صحيحه تعليقا فقال: "وكتب عمر بن عبد العزيز إلى أبي بكر بن حزم: رضي الله عنهما: أن انظر ما كان عندك -أي في بلدك- من حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاكتبه. فإني خفت دروس العلم وذهاب العلماء ولا تقبل إلا حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-
__________
1 كانت خلافته من سنة 99 إلى 101هـ.
2 قد ينسب إلى جد أبيه كما في رواية البخاري, ولجده عمرو صحبة, ولأبيه رؤية, وهو فقيه تابعي استعمله عمر بن عبد العزيز على المدينة, وولاه قضاءها, توفي سنة "120هـ", وقد روى عن بعض الصحابة وعن خالته عمرة, وعن خالدة بنت أنس ولها صحبة. قال الإمام مالك، لم يكن أحد بالمدينة عنده من علم القضاء ما كان عند أبي بكر بن حزم" ولا يعرف له اسم غير أبي بكر, وقيل اسمه أبو بكر وكنيته أبو محمد.

الصفحة 65