كتاب الحجاب في الشرع والفطرة

وقال البيهقيُّ في «معرفة السُّنَنِ والآثار»، لَمَّا ذكَرَ قولَ الشافعيِّ في جوازِ النظرِ لوجهِ المخطوبةِ وكَفِّها؛ لأنهما ليسَا بعورةٍ، قال: «وأمَّا النَّظَرُ -بغيرِ سببٍ مُبِيحٍ- لغيرِ مَحْرَمٍ، فالمنعُ منه ثابتٌ بآيةِ الحجابِ، ولا يجوزُ لهنَّ أن يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إلا للمذكُورِينَ في الآيةِ مِن ذَوِي المحارمِ» (¬1).
وهكذا قال السُّبْكِيُّ: «الأقرَبُ إلى صنيعِ الأصحابِ: أنَّ وجهَها وكفَّيْها عورةٌ في النظرِ، لا في الصلاةِ» (¬2). انتهى.
ولهذا كان مذهبُ مالكٍ تحريمَ كشفِ المرأةِ لوجهِها عند وجودِ مَن ينظُرُ إليها في طريقِها، وجوازَه عندَ عدمِ وجودِ الناظِرِ؛ لأنَّه يفرِّقُ بين عورةِ السترِ وعورةِ النظرِ؛ قال ابنُ القَطَّانِ: «ويحتَمِلُ عندي أن يقالَ: إنَّ مذهبَ مالكٍ هو أنَّ نظَرَ الرجلِ إلى وجهِ المرأةِ الأجنبيَّةِ لا يجوزُ إلا مِن ضرورةٍ ... والجوازُ للبُدُوِّ وتحريمُه مُرَتَّبٌ عندَه -أي: مالكٍ- على جوازِ النظرِ، أو تحريمِه؛ فكلُّ موضعٍ له فيه جوازُ النظر، فيه إجازةُ البُدُوِّ» (¬3). انتهى.
¬__________
(¬1) انظر: «معرفة السنن والآثار» (10/ 23).
(¬2) نقله عن الخطيبُ الشربيني في «مغني المحتاج» (4/ 209).
(¬3) انظر: «النظر في أحكام النظر» (ص 50 - 51).

الصفحة 131