كتاب الحجاب في الشرع والفطرة

ويورِدُ بعضُهم كلاماً لمالِكٍ في الرجالِ يُيَمِّمُون المرأةَ الميتةَ بالتُّرَابِ (¬1)، وجعَلُوا ذلك لازماً لكشفِ أعضاءِ التيمُّمِ، والمرأةُ قد تُيمَّمُ مِن غيرِ كشفٍ ولا مَسٍّ؛ وذلك أنَّ مالكاً يرى أنَّ المرأةَ لو ماتت وليس معها غيرُ ابنِها: أنَّه يُغَسِّلُها مِن وراءِ الثيابِ (¬2)، وهذا وهو ابنُها وهي مَيِّتةٌ، واستيعابُ الأعضاءِ بالماءِ أشقُّ مِنِ استيعابِ عضوَيْنِ بالترابِ لم يَقْصِدِ الشارعُ استيعابَهما أصلاً.
وحملُ كلامِ مالكٍ في مسألةِ النظرِ على كشفِ المرأةِ لوجهِها، خطأٌ يقعُ فيه من لم يحقِّقْ مذهَبَهُ في التفريقِ بين العورتَيْنِ.
والمالكيَّةُ يفرِّقُون بين عورةِ النظرِ وعورةِ السَّتْرِ، ومِنهم مَن يُطْلِقُ عورةَ النظَرِ والفتنةِ فيَجْعَلُ المرأةَ كُلَّها عورةً مِن هذا الوجهِ؛ قال القرطبيُّ: «وبما تضمَّنَتْهُ أصولُ الشريعةِ مِن أنَّ المرأةَ كلَّها عورةٌ؛ بدنَها وصوتَها، كما تقدَّمَ، فلا يجوزُ كشفُ ذلك إلا لحاجةٍ؛ كالشهادةِ عليها، أو داءٍ يكونُ ببدنِها، أو سؤالِها عما يَعْرِضُ وتَعيَّنَ
¬__________
(¬1) انظر: «المدونة» (1/ 261).
(¬2) انظر: «النوادر والزيادات» (1/ 551 - 552)، و «البيان والتحصيل» (2/ 247).

الصفحة 147