كتاب الحجاب في الشرع والفطرة

عندَها» (¬1). انتهى.
وأمَّا أبو حَنِيفةَ: فهو كمالِكٍ في هذا البابِ، يُفرِّقُ بين عورةِ السترِ وعورةِ النظرِ، فلا يُوجِبُ سترَ الوجهِ والكفَّيْنِ لأنهما عورةٌ؛ وإنَّما يوجِبُ سَتْرَهما عندَ نظرِ الرجالِ الذين يُستَرُ عن مِثْلِهم، وقد رأيتُ مَن يحتجُّ بقولٍ لأبي حنيفةَ في سياقِ أحكامِ النظرِ، نقلَه محمدُ بنُ الحسنِ كما في «المبسوط»؛ حيثُ قال: «ولا بأسَ أن ينظُرَ إلى وجهِها والى كَفَّيْها، ولا ينظُرُ إلى شيءٍ غيرِ ذلك منها؛ وهذا قولُ أبي حنيفةَ» (¬2).

ولمَّا اختَلَّ لدى الناقِلِ لمثلِ هذا الكلامِ الأصلُ، وهو عدمُ التفريقِ بين العورتَيْنِ والسياقَيْنِ، نسَبُوا إلى مذهبِ أبي حنيفةَ ما لا يُريده، وأعلامُ الحنفيةِ يَعْلَمُون مرادَه ويُدْرِكُونَ التفريقَ، ويبيِّنون أنَّ الأصلَ التغطيةُ، وأنَّ إباحةَ النظرِ في أحوالٍ للرجلِ لا تُناقِضُ أصلَ السترِ مِن المرأةِ؛ فخطابُ المرأةِ غيرُ خطابِ الرجلِ؛ قال السَّرَخْسيُّ: «المرأةُ عورةٌ مِن قَرْنِها إلى قَدَمِها، ثم أُبِيحَ
¬__________
(¬1) انظر: «الجامع لأحكام القرآن» (17/ 208).
(¬2) «المبسوط» لمحمد بن الحسن الشيباني (3/ 49 - 50).

الصفحة 148