كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 1)

فِعْل العبد ما أُرِيد منه. هذا قَوْل الأشعري والمحققين (¬١)، وضِدُّه "الخذلان".
و"الفقه في الدِّين" فَهْمه ودرايته؛ لأنه الفَهْم لُغَةً كما سيأتي. وجملة الشرط والجزاء صلةٌ للذي، والإشارة بذلك إلى قوله - صلى الله عليه وسلم - فيما انفرد بإخراجه الصحيحان مِن حديث معاوية: "مَن يُرِد الله به خيرًا، يُفَقِّهه في الدِّين، وإنما أنا قاسِم، واللهُ يُعطِي، ولن يزال أمرُ هذه الأُمة مستقيمًا حتى تقوم الساعة" (¬٢). ففي ذلك الثناء العظيمُ على المتفقه في الدِّين، وأنَّ الله تعالى هو المُفَقِّه له بتوفيقه وإرادته، وأنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما هو خازِنٌ لِمَا أوحاه إليه مِن الشرع وأنواع الخير، وقاسِمٌ ذلك بين الناس على حسب إرادته تعالى، ولهذا في بعض الروايات: "وإنما أنا خازِنٌ" (¬٣)، [أيْ] (¬٤): على ما عندي مما بعثني الله تعالى به. والله هو الموَفِّق المقدِّر.
والمراد بِـ "الدِّين" الأعم مِن الإيمان والإسلام والإحسان؛ لحديث: "جاء جبريل يُعَلمكم دِينكم" (¬٥)، وأشار - صلى الله عليه وسلم - بقوله: "ولن يزال أمرُ هذه الأُمة مستقيمًا" إلى أنَّ استقامتها إنما هو بالتفقه في الدِّين؛ فإنَّ العِلم سابق على العمل كما ترجم به البخاري: "باب: العِلم قَبْل القول والعمل؛ لقول الله عز وجل: {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} [محمد: ١٩]، فبدأ بالعِلم". وقد سبقه إلى الاستدلال بذلك سفيان بن عيينة. والضمير في قوله: (وأَصْله) يَعُود للفقه، أو إلى الدِّين. وعلى كل حال فالبراعة حاصلة؛ لأنَّ الدِّين شاملٌ للفروع أيضًا.
و"الهاشمي" نسبته - صلى الله عليه وسلم - لجده هاشم؛ لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن
---------------
(¬١) سبق الكلام على عقيدة الجبر عند الأشاعرة في مقدمة هذا الكتاب (ص ٣٣).
(¬٢) صحيح البخاري (رقم: ٦٨٨٢)، صحيح مسلم (رقم: ١٠٣٧).
(¬٣) صحيح مسلم (رقم: ١٠٣٧).
(¬٤) ليس في (ش).
(¬٥) صحيح البخاري (رقم: ٣٦)، صحيح مسلم (رقم: ٨).

الصفحة 111