كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

وما في "الصحيحين" لمَّا نزل قوله تعالى: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: ٩٥] الآية، قال ابن أم مكتوم: إني ضرير البصر. فنزل: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: ٩٥] (¬١). فأقره النبي - صلى الله عليه وسلم - على فَهم العموم، ونزل القرآن بالتخصيص من العام.
وما في "الصحيح" أيضًا لما نزل {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ} [الأنعام: ٨٢]، قال الصحابة: وأيّنا لم يظلم نفسه؟ ! فقال - صلى الله عليه وسلم -: "ألم تسمعوا ما قال لقمان: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان: ١٣] " (¬٢). ففهموا العموم من: {الَّذِينَ} أو من النكرة في النفي حتى بَيَّن لهم أن المراد ظلم خاص.
وكذا لما نزل قوله تعالى: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} [الأنبياء: ٩٨]، قال ابن الزِّبَعْرَى: قد عُبد المسيح والملائكة. فنزل: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} [الأنبياء: ١٠١] (¬٣)، فأقره على العموم، ولكنه مخصص. والحديث مشهور في السير والتفسير، ورواه السهيلي عن ابن عباس بسندٍ صحيح.
وكذلك فَهم علي - رضي الله عنه - من قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى} العموم حتى قال: "أنا منهم، وأبو بكر، وعمر، وعثمان، وطلحة، والزبير، وسعد، وعبد الرحمن بن عوف" (¬٤). رواه ابن أبي حاتم وابن عدي وابن مردويه والثعلبي من رواية ليث ابن أبي سليم.
---------------
(¬١) صحيح البخاري (رقم: ٤٧٠٤)، صحيح مسلم (رقم: ١٨٩٨).
(¬٢) صحيح البخاري (رقم: ٣١٨١)، صحيح مسلم (رقم: ١٢٤).
(¬٣) انظر: مصنف ابن أبي شيبة (٣١٨٨٢)، المعجم الكبير للطبراني (١٢٧٣٩)، المستدرك على الصحيحين (رقم: ٣٤٤٩).
(¬٤) الكامل في الضعفاء (٣/ ١٢٢)، تفسير ابن أبي حاتم (٨/ ٢٤٦٩) نشر: نزار الباز - السعودية.

الصفحة 1305