كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

ومن ثَم قالوا في قوله تعالى حكايةً عن زكريا عليه السلام: {قَالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي} [مريم: ٤]: إنما لم يَقُل: "وهن العظام" بالجمع؛ لإرادته شمول الوهن لكل عظم عظم، لا لجمعٍ جمع فقط الذي لا يلزم منه وهن كل فرد فرد من العظام.
قال صاحب "الكشاف": (إنما وَحَّد العظم لأن الواحد هو الدال على معنى الجنسية. وقصده إلى أن هذا الجنس الذي هو عمود البدن وبه قوامه قد أصابه الوهن. ولو جمع لكان قصد إلى معنى آخَر، وهو أنه لم يهن منه بعض عظامه، ولكن كلها) (¬١). انتهى
وهو ظاهر فيما ذكر من الفرق.
ويحتمل أنه إنما أراد أن "اللام" في العظم للحقيقة، لا للاستغراق؛ لأنه ممن يرى بنفي إفادة "اللام" الاستغراق بذاتها كما سنذكره عنه من بعد.
وقد تعقب المولى سعد الدين التفتازاني على صاحب "التلخيص" وأشبع الكلام في إبطال مغزاه، فقال: (ولقائل أن يقول: لو سُلم كَوْن استغراق المفرد أشمل في النكرة المنفية فلا نُسلم ذلك في المعرَّف باللام، بل الجمع المحلَّى بلام الاستغراق يشمل الأفراد كلها مثل المفرد كما ذكره أكثر أئمة الأصول والنحو، ودل عليه الاستقراء، وصرح به أئمة التفسير في كل ما وقع في التنزيل من هذا القبيل، نحو: {أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [البقرة: ٣٣]، {وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا} [البقرة: ٣١]، {وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ} [البقرة: ٣٤]، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: ١٣٤]، {وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود: ٨٣]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ} [آل عمران: ١٠٨]، إلى غير ذلك؛ ولهذا صح بلا خلاف: "جاءني القوم -أو العلماء- إلا زيدًا" أو "إلا الزيدين" مع امتناع "جاءني جماعة من العلماء إلا زيدًا" على الاستثناء المتصل).
---------------
(¬١) الكشاف عن حقائق التنزيل (٣/ ٦).

الصفحة 1337