كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

إلى آخر ما ذكر بِطُولِه.
ثم قال: (وإنما أطنبتُ الكلام في هذا المقام؛ لأنه من مسارح الأنظار ومطارح الأفكار، كم زلَّت فيه للأفاضل أقدامهم، وكَلَّتْ دُون الوصول إلى الحقِّ أفهامهم). انتهى
وهو كلام نفيس وإن كان لنا معه في بعضه أبحاث ليس هذا موضع ذكرها، لكن منها فيما نقلناه عنه من الاستشهاد بامتناع "جاءني جماعة من العلماء إلا زيدًا" على الاستثناء المتصل، قَصْده بذلك أنَّا إذا قلنا: آحاد الجمع العام جموع وإنَّ الجمعية في الأفراد باقية مع العموم، كان يلزم أن يجوز الاستثناء من جماعة جماعة، [لا] (¬١) من الأفراد واحدًا، وذلك ممتنع. فثبت سلب الجمعية بالكُلية، لكن لفظ "جماعة" ليس هو المدَّعَى أنه فرد من أفراد صيغ الجموع المقترنة بدليل الشمول كَـ "العلماء"، إنما الخصم يدَّعِي أنَّ آحاد "العلماء" علماء وعلماء وعلماء، وهكذا.
وعلى تقدير أنْ يكون هذا مراده بجماعة من العلماء فقد يقال: إنما امتنع الاستثناء منه؛ لكونه نكرة. وسيأتي أن النكرة -وإنْ كانت جمعًا- لا يستثنى منها.
وكان ينبغي أن ينقض على صاحب "التلخيص" بقوله عقب ذلك: (ولا تنافي بين الاستغراق وأفراد الاسم) جوابًا عن سؤال السكاكي: إن الاسم المفرد -الذي يقابل المثنى والمجموع- يدل على الوحدة، والاستغراق يدل على الكثرة، والجمع بينهما في نحو "الإنسان" و"لا رجل في الدار" جمع بين متنافيين.
فأجاب بأنه لا تنافي؛ لأن الحرف وهو "لام الاستغراق" أو "لا" التي للنفي إنما دخلت عليه حال كونه مجردًا من إرادة معنى الوحدة والكثرة، ودلَّ على هذا التجرد كلمة الاستغراق، فيصير اللفظ بذلك دالًّا على الحقيقة، محتملًا للوحدة والكثرة.
---------------
(¬١) من (ت، س).

الصفحة 1338