أصل العموم، لكان هو القول المرجوح فيما سبق.
فإذا أُوِّل على إفادته نَصِّيَّته، كان مطابقًا للراجح وهو أنَّ النفي هو المفِيد له.
ونقله أيضًا القرافي عن ابن السيد تمسكًا بقوله: إنَّ "لا رجلَ في الدار" بالبناء على الفتح جواب لمن قال: "هل في الدار مِن رجل؟ " فإنه سؤال عن مفهوم مطلق الرجل. وإنَّ "لا رجُل" بالرفع جواب لمن قال: "هل في الدار رجل واحد؟ "، فلذلك يُقال في هذا: "بل رجلان".
ويمكن حمل كلامه على الفرق بين النصية والظهور، لا أنه لا عموم فيه أصلًا.
وتبع القرافي في نقل ذلك عن مَن سبق الأصفهاني في "شرح المحصول"، وحكاه الأبياري في "شرح البرهان" والقرطبي في أصوله عن النحاة، قال: (وإن كان ظاهر كلام الأصوليين التسوية بينها وبين المبنية على الفتح).
والقول الثاني: إنها تعم، وهو ظاهر إطلاق الجمهور، ونقله أبو حيان عن سيبويه وأن "مِن" إذا دخلت في مثل هذا فإنما هي لتأكيد الاستغراق.
وكذا نقله عن سيبويه أيضًا إمام الحرمين في كلامه على حروف المعاني، فقال: (قال سيبويه: إذا قلت: "ما جاءني رجل" فاللفظ عام، ولكنه يحتمل أن يريد "ما جاءني رجل، بل رجلان" -كما يعدل عن الظاهر في نحو: "جاء الرجال إلا زيدًا" (¬١) - فإذا قلت: "ما جاءني من رجل" اقتضى نفي جنس الرجال على العموم من غير تأويل) (¬٢). وهذا صريح في تقرير القول المرجح.
لكن قال القرافي أنه لم يجد هذا النص في كتاب سيبويه وأنه سأل عنه مَن هو عالم
---------------
(¬١) هذه الجملة ليست في "البرهان".
(¬٢) البرهان في أصول الفقه (١/ ١٤٣).