ورُد بأن المقدَّر في حكم المذكور، فلا فرق.
نعم، ألحقَ أبو حنيفة بذكرِ المفعول به ما إذا أتى بعد الفعل بمصدره كـ "لا آكل أكلا"؛ لأنه إذا ذكر، تقيَّد الفعل به، فكان كالمفعول به.
وأجيب عنه بأنه وإن لم يذكر فلم يخرج عن دلالة الفعل عليه؛ لأنه مضمونه، فكان كالمذكور.
وربما قرروا قوله بأن المصدر يدل على المرة، فجاز أن يراد به خاص.
وجوابه: أن المصدر المؤكد لا يدل إلا على الحقيقة؛ فلهذا كان مؤكدًا.
واعلم أن الإِمام الرازي لما اختار مذهبهم قال: (نَظرُ أبي حنيفة فيها دقيق؛ لأن النية لو صحت لصحت إما في الملفوظ أو غيره، والأول باطل؛ لأن الملفوظ هو الأكل وهو ماهية واحدة لا تقبل التعدد. فإن أُخِذَت مع زيادة عليها فتعددها بحسبه، وحينئذ فتقبل التخصيص. فإذا لم تكن تلك الزيادة، فلا تَعدد، فلا تقبل تخصيصًا. وأيضًا أجمعنا على أنه لو نوى التخصيص بالزمان والمكان، لم يصح، فكذا إذا نوى تخصيص المفعول به بشيء دون شيء) (¬١). انتهى بمعناه.
ورُد بأن الماهية إنما لا تتعدد إذا لم يدخل عليها النفي؛ لأنها حينئذ من قبيل المطلق. فإذا نفيت، فلا بُد من نفي جميع الأفراد؛ ضرورة انتفاء الماهية، سواء قلنا: النفي للأفراد بالذات، أو: باللازم لنفي الماهية.
فتبيَّن أن النظر الدقيق إنما هو لأصحابنا.
وأما دعوى الإجماع على عدم صحة التخصيص بزمان أو مكان وقياس المفعول به
---------------
(¬١) المحصول (٢/ ٣٨٤).