الثالث: لا يختص جواز التخصيص بالنية بالعام، بل يجري في تقييد المطلق بالنية؛ ولذلك لما قال الحنفية في "لا أكلت": (إنه لا عموم فيه، بل مطلق، والتخصيص فرع العموم)، اعتُرض عليهم بأنه يصير بالنية تقييدًا لمطلق، فَلِمَ [منعوه] (¬١)؟
نعم، إذا قلنا بجواز الأمرين بالنية، فيقال: كيف خالفت الشافعية ذلك في فروع؟ منها إذا قال: "كل امرأة لي طالق" أو "نسائي طوالق" وعزل بعضهن بالنية، لا يقبل.
وكذا لو قال: "أنت طالق ثلاثًا" وأراد تفريقها على الأقراء أو أراد "إذا جاء رأس الشهر"، على الصحيح في الكل.
وجوابه أنه إنما لم يُقبل؛ لأنه ادَّعى خلاف الظاهر، بخلاف مسألة: "لا أكلت" و"إن أكلت"، فإنه إذا نوى مأكولًا خاصًّا، فليس فيه مخالفة الظاهر.
ولهذا قلنا في المسائل السابقة: إنه مع نفي القبول يُديَّن إلا إذا رفع بالكلية، كما إذا قال: "أردت إن شاء الله" على ما ذكره كُبراء المذهب.
ولو أَقرَّ في صك أنه لا دعوى له على زيد ولا طلب بوجه من الوجوه ثم قال: "أردت في عمامته -أو قميصه- لا في داره وبستانه"، قال القاضي أبو سعد: هذا موضع تردد، والقياس قبوله؛ لأن غايته تخصيص عموم، وهو محتمل.
قال النووي: (الصواب لا يقبل في ظاهر الحكم، لكن له تحليفه أنه لا يعلم أنه قصد ذلك).
الرابع: حكى الغزالي عن الحنفية أنهم ردوا هذه المسألة إلى أنه من المقتضَى، وهو لا عموم له.
---------------
(¬١) كذا في (من)، لكن في سائر النُّسخ: يمنعوه.