كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

لَهُ سَمِيًّا} [مريم: ٦٥] , فإن المراد نفي ذلك كله؛ لأن الإنكار هو حقيقة النفي.

المسألة الخامسة:
وهي المذكورة استطرادًا بعد ما ذُكر من صيغ العموم لغةً بقرينة في النفي: "النكرة في سياق الامتنان"، وهي للعموم كما ذكره القاضي أبو الطيب في "تعليقه" في الكلام في قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: ٤٨] , وجرى عليه ابن الزملكاني في كتاب "البرهان".
قيل: والقول بذلك مأخوذ من قول البيانيين في تنكير المسند إليه: إنه يكون للتكثير، نحو: "إنَّ له لإبلًا" و "إن له لغنمًا". وعليه حمل الزمخشري {أَئِنَّ لَنَا لَأَجْرًا} [الشعراء: ٤١] , وكذا قرره في قوله تعالى: {فِيهَا عَيْنٌ جَارِيَةٌ (١٢)} [الغاشية: ١٢] , ولكن في أخذ العموم من ذلك نظر؛ إذْ لا يَلزم من الكثرةِ الاستغراقُ.
قلت: مرادهم بالكثرة البلوغ إلى غاية لا تدرك، مبالغةً في الكثرة، لا كثرة ما وإن كان ذلك على وجه الادعاء، وحينئذٍ فهو معنى العموم؛ فإنهم قالوا فيه: (إنه الاستغراق من غير حصر) كما سبق.
ونظير ذلك ما قالوه في نحو: {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ} [الملك: ٤] , وفي نحو: "لبيك وسعديك" من كون المراد الكثرة بلا حصر، وهذا أمر مذوق لمن تأمله.
نعم، لا يبقى لخصوص الامتنان معنى، بل كل مقام اقتضى في النكرة التكثير يقال فيه ذلك، والامتنان فرد منه، وهو حسن.
تنبيه:
مما ذكر من عموم النكرة في الإثبات - غير ما سبق من الامتنان ونحوه - صُوَر:
منها: ما سيأتي من الجمع المنكَّر على قول الجبائي، ويأتي رده.

الصفحة 1373