كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [العصر: ٢، ٣]؛ ولذلك يستدل به من أثبت صيغ العموم ردًّا على من زعم أن وضعها للخصوص أو وقف كما سبق من المذاهب.
وقولي: (مِنَ الَّذِي فِيهِ احْتِمَالٌ جَائِي) قَيدٌ في الضابط، زِدته على البيضاوي وغيره ممن يطلق أن الاستثناء معيار العموم، حتى يخرج العدد إذا قلنا بصحة الاستثناء منه كما هو قول الجمهور (كما سيأتي)، فإنه قابل للاستثناء وليس بعام قطعًا.
فيقال: إلا أنه ليس محتملًا للعموم، ونحن إنما جعلنا الاستثناء معيارًا في لفظ يكون محتملاً، فيكون المراد يكون الاستثناء معيارًا أنَّ كل ما لم يَقبل الاستثناء منه لا يكون عامًّا، لا أن كل ما يَقبل الاستثناء منه عام.
ثم عَللتُ كون الاستثناء معيارًا بأن الاستثناء: إخراج ما لولاه لوجب دخوله في المستثنى منه، فإذا كان القابل للإخراج بالاستثناء واجب الدخول، فكل فرد يمكن إخراجه به واجب الدخول، وذلك حقيقة العموم.
وما اعتُرض به من كون وجوب الدخول يناقض خروجه بالاستثناء -فاسد؛ لأنا لم نَدَّعِ وجوب الاندراج إلَّا بتقدير أن لا يخرج بالاستثناء، فهو خارج منه وإن دخل لغةً. وسيأتي في التنبيهات فيه زيادة بيان وأن الحكم على المستثنى منه إنما هو بعد إخراج المستثنى، فلا تناقض.
وقولي: (فَلَا عُمُومَ نُصِبَا في عَدَدٍ) إلى آخره -هو مما نُفي فيه العموم، لعدم صِدق ضابط العام فيه؛ ولذلك عطفته بِـ "الفاء" المشعرة بالسببية والترتيب.
فأشرت إلى مسألتين، لتمهيد الضابط وتقريبه:
الأُولى: أن العدد ليس بعام، بل دلالته دلالة الكل على أجزائه، ولو كان عامًّا لكان من دلالة الكلي على جزئياته مستغرقًا لها، وهو وإن ساغ الاستثناء منه على الراجح لكنه -كما

الصفحة 1380