والتحقيق ما قاله ابن دقيق العيد: إنها تدل على التكرر كثيرًا (¬١)، كما يقال: "كان فلان يقري الضيف"، ومنه: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - أجود الناس" (¬٢) الحديث، ولمجرد الفعل قليلاً مِن غير تكرر (¬٣)، نحو: "كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يقف بعرفات عند الصخرات" (¬٤)، وقول عائشة: "كنت أُطَيِّب النبي - صلى الله عليه وسلم - لِحِلِّه وحرمه" (¬٥). ولم يقع وقوفه بعرفة وإحرامه وعائشة معه إلا مرة.
ومنه: ما في "سنن أبي داود" بسند صحيح عن عروة عن عائشة وهي تذكر شأن خيبر:
"كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يبعث عبد الله بن رواحة إلى يهود خيبر فيخرص النخل" (¬٦). فهذا لا يمكن فيه التكرار؛ لأن خيبر كانت سنة سبع، وعبد الله بن رواحة قُتل في غزوة مؤتة سنة ثمان.
واعلم: أن هذا الخلاف غير خلاف النحاة في أن "كان" هل تدل على الانقطاع؟ أو لا؟
اختيار ابن مالك الثاني، ورجح أبو حيان الأول.
وإنما قلنا: (إنه غيره)؛ لأنه لا يلزم من التكرار عدمُ الانقطاع، فقد يتكرر الشيء ثم ينقطع.
---------------
(¬١) يعني: تأتي كثيرًا دالة على التكرار.
(¬٢) صحيح البخاري (رقم: ١٨٠٣)، صحيح مسلم (رقم: ٢٣٠٨).
(¬٣) يعني: تأتي قليلاً لمجرد الفعل من غير تكرُّر.
(¬٤) صحيح مسلم (١٢١٨) بلفظ: ( .. ثُمَّ رَكِبَ رَسُولُ اللهِ - صلى الله عليه وسلم -، حَتَّى الى الْمَوْقِفَ، فَجَعَلَ بَطْنَ نَاقَتِهِ الْقَصْوَاء إِلَى الصَّخَرَات ... ) الحديث.
(¬٥) مسند أحمد (٢٥٥٦٤)، سنن النسائي (رقم: ٢٦٩١)، صحيح ابن حبان (٣٧٧٢). قال الألباني: صحيح الإسناد. "صحيح النسائي: ٢٦٩٠).
(¬٦) مسند أحمد (٢٥٣٤٤)، سنن أبي داود (رقم: ١٦٠٦) وغيره. قال الألباني: ضعيف. (ضعيف سنن أبي داود: ١٦٠٦).