وبالجملة فحاصل المسألة أن المحتاج إلى تقدير -في نحو {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: ٣] و [غيرها] (¬١) من الأمثلة الآتي ذِكرها- إنْ دَلَّ دليل على تقدير شيء من المحتملات بِعَيْنه، فذاك، سواء أكان المقدَّر عامًّا في أمور كثيرة أو خاصًّا بِفَرد. وإنْ لم يدل دليل على تعيين شيء -لا عام ولا خاص- مع احتمال أمور متعددة لم يرجح بعضها، فهل تُقَدَّر المحتملات كلها وهو المراد بالعموم في هذه المسألة؟ أوْ لا؟
فيه مذاهب، وأجرى القرافي الخلاف وإنْ تَعيَّن البعض بدليل، قال: (كما يقول الشافعي بالجمع بين الحقيقة والمجاز وإنْ كانت الحقيقة متعينة).
وما قاله بعيد، والظاهر أن الأقوال حيث لا دليل كما قرره ابن الحاجب وغيره.
أحدها: نعم، نقله الأصفهاني في "شرح المحصول "عن "شرح اللمع" للشيخ أبي إسحاق، وبه قال جمعٌ من الحنفية، ونقله القاضي عبد الوهاب عن أكثر الشافعية والمالكية، وصححه النووي في "الروضة" في "كتاب الطلاق" حيث قال: المختار لا يقع طلاق الناسي؛ لأن دلالة الاقتضاء عامة.
يعني من قوله - صلى الله عليه وسلم -: "رفع عن أمتي الخطأ والنسيان" (¬٢) الحديث. إلا أن يُحمل كلامه على أن الذي يُقدَّر يكون عامًا، لا أن المراد التعميم بتقدير المحتملات كلها.
وكذا يحمل على ذلك قول مَن قال: إن قاعدة الشافعي تقتضي التعميم؛ بدليل أنَّ كلام الناسي عنده لا يُبطل الصلاة، وعند أبي حنيفة يبطلها.
وكذا يحمل كلام مَن نقل من الحنفية (وهُم من سبق ذِكره آنفًا) عن الشافعي أنه يقول بالعموم؛ تنزيلًا للمقدِّر منزلة المنصوص، بخلاف قول أبي حنيفة، فإن عنده أن ذلك معدوم
---------------
(¬١) كذا في (ص، ق)، لكن في (س): نحوها.
(¬٢) سبق تخريجه.