كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

الميتة، فجملوها، فباعوها" (¬١)؛ لأنه إذا حرمت، لزم منع بيعها وغيره كما قررناه.
ومنه حديث: "إنما الأعمال بالنية" (¬٢)، هل يُقَدَّر: "إنما صِحَّة"؛ لأن نفي الصحة أقرب إلى الحقيقة وهي نفي الذات؟ أو يُقدر نفيُ الكمال؟ أو يُقدر ما هو أعم نحو: "إنما يُعتَبر" أعم من الاعتبار للصحة أو للكمال؟ أو غير ذلك؟
وقد بسطناه في "شرح العمدة"، ونزيد هنا ما قال إمام الحرمين: إنه لا ينبغي للخصم -على بُعد مذهبه- أن يُقَدر الكل إلا إذا لم يُنافِ بعضُها بعضًا، فمن قَدَّر الكل عند المنافاة فقد أساء وأسرف وركب شططًا. وهذا مِثل: "لا صيام"، فإن تقدير الكمال ينافي تقدير الصحة؛ إذْ نفي الكمال يُفْهِم إثبات الصحة، فلا يصح تقديره مع نفي الصحة (¬٣).
ووافق إمامَ الحرمين على هذا ابنُ السمعاني.
قيل: وفيما قالاه نظر، فإنَّ نفي الكمال لا يقتضي إثبات الصحة، فإن نفي الأخص قد يكون لانتفاء الأعم، ولانتفاء الأخص مع ثبوت الأعم، كما في قوله تعالى: {بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا} [لقمان: ١٠] أي: لا عمد [فيها] (¬٤) فترونها. ونحوه قول الشاعر: علَى لاحِبٍ لا يُهْتَدَى بمناره. أي: لا منار له فيُهتدَى به.
نعم، تَوجُّه النفي للأخص وإنْ ثبت الأعم أرجح مِن حيث إنه لولا ثبوت الأعم لَمَا كان لتسليط النفي على الأخص معنى ولا فائدة.
ولهذا قال أبو حيان في "تفسيره" عند قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ} [البقرة: ٩]: إن
---------------
(¬١) سبق تخريجه.
(¬٢) سبق تخريجه.
(¬٣) البرهان (٢/ ٦٥٩).
(¬٤) كذا في (ص، ق)، لكن في (ت، س، ض): لها.

الصفحة 1405