كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

والخلاف في هذه المسألة شهير بيننا وبين الحنفية مع الاتفاق على أن "النكرة في سياق النفي للعموم". فهُم يقدرون - تتميمًا للجملة الثانية - لفظًا عامَّا؛ تسويةً بين المعطوف والمعطوف عليه في متعلقه، فيكون على حد قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ} [البقرة: ٢٨٥]، فيُقدر: "ولا ذو عهد في عهده بكافر"؛ إذ لو قدّر خاصًّا وهو "ولا ذو عهد في عهده بحربي"، لزم التخالف بين المتعاطفين وأن يكون تقديرًا بلا دليل، بخلاف ما لو قدّر عامًّا، فإن الدليل عليه من المصرح به في الجملة التي قبلها، وحينئذٍ فيخصص العموم في الثانية بالحربي بدليل آخَر، وهو الاتفاق على أن المعاهد لا يُقتل بالحربي ويُقتل بالمعاهد والذمي.
قالوا: وإذا تَقرر هذا، وجب أن يخصص العام المذكور أولًا؛ ليتساوَيا، فيصير: "لا يُقتل مسلم بكافر حربي، ولا ذو عهد في عهده بحربي".
وأما أصحابنا فإذا قدَّروا في الجملة الثانية، فإنما يقدِّرون خاصًّا، فيقولون: "ولا ذو عهد في عهده بحربي"؛ لأن التقدير إنما هو بما تندفع به الحاجة بلا زيادة، وفي تقدير بـ "حربي" كفاية، ولا يضر تخالفه مع المعطوف عليه في ذلك؛ إذ لا يشترط إلَّا اشتراكهما في "أصل الحكم"، وهو هنا "منع القتل" بما يذكر أو بما يقوم الدليل عليه، لا في كل الأحوال.
كما في قوله تعالى: {وُبُعُوَلَتُهُنَّ} [البقرة: ٢٢٨] فإنه مختصٌّ بالرجعيات وإنْ تَقدم المطلقات بالعموم، وستأتي المسألة.
وممن حرر محل الاختلاف بذلك ابن السمعاني، فقال: (لا يجب أن يضمر فيه جميع ما يمكن إضماره مما في المعطوف عليه، بل يُضمر قَدْر ما يفيد ويستقل به. وعند أبي حنيفة يضمر فيه جميع ما سبق مما يمكن إضماره) (¬١). انتهى
---------------
(¬١) قواطع الأدلة (١/ ٢٠٥).

الصفحة 1410