كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

وحرمتهما آية، والتحريم مُقدَّم" (¬١). وأراد بآية الحل: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٣]، وآية التحريم: {وَأَنْ تَجْمَعُوا} [النساء: ٢٣]. فحَكَمَ بعموم آية الحل، ولكن قدم عليه آية التحريم؛ لأن آية الحل مسوقة للمدح والمنة. ووافقه الصحابة على ذلك.
وبهذا رد على داود احتجاجه بقوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} على إباحة الأختين بملك اليمين.
ومَثَّل أَبو عبد الله السهيلي للعامَّين اللذين سِيق أحدهما للمدح دُون الآخر بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٥) إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ} [المؤمنون: ٥، ٦]، فإنه سِيق للمدح وهو يَعُم مِلك اليمين، سواء الأخت وغيرها، فيرجح عليه {وَأَنْ تَجْمَعُوا}؛ فإنه عام في مِلك اليمين والنكاح.
نعم، قد يقال: إن بين الآيتين عمومًا وخصوصًا مِن وجه، فرجحت إحداهما بكونها تقتضي التحريم كما سبق عن عثمان، لا لِكونها تجردت عن مدح فَقُدِّمت على ذات المدح.
ومَثَّل الشيخ أَبو حامد وابن السمعاني وغيرهما بقوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ} [النساء: ٢٣] الآية، سِيقت لبيان عَيْن المحرمات دُون العَدد، بخلاف آية: {مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر: ١]، فإنها للعَدد، وهي تعم الأخت وغيرها، فيقضَى بتلك؛ لأنها مسوقة لبيان المحرَّم. وكذلك يُقضَى بها على قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ}.
---------------
(¬١) الذي في مصنف ابن أبي شيبة (١٦٢٦٤) وسنن الدَّارَقُطني (٣/ ٢٨١) واللفظ للدارقطني: (أن عثمان بن عفان سُئل عن الأختين مما ملكت اليمين، فقال: لا آمرك ولا أنهاك، أحلتهما آية وحرمتهما آية).
وفي: مصنف عبد الرزاق (١٢٧٢٨)، سنن البيهقي الكبرى (رقم: ١٣٧٠٨) وغيرهما واللفظ للبيهقي: (أحلتهما آية وحرمتهما آية، وأما أنا فلا أحب أنْ أصنع هذا).

الصفحة 1418