كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

وأما التقييد بأن لا قرينة على إرادة الأُمة معه فمُخرج لِمَا إذا دلت قرينة على ذلك، فليس ذلك من محل النزاع أيضًا، مِثل: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: ١]، الآية، فإن ضمير الجمع في: "طَلَّقْتُم" و"طَلِّقُوهُنَّ" قرينة لفظية تدل على أن الأُمة مقصودة معه بالحكم، وأنَّ تخصيصه بالنداء تشريفٌ له - صلى الله عليه وسلم -؛ لأنه إمامهم وقدوتهم وسيدهم الذي يَصدر فِعلهم عن رأيه وإرشاده؛ ولذلك ابتدأ الشَّافعي - رحمه الله - "كتاب الطلاق" بهذه الآية؛ لِمَا فهمه من عمومها.
وخطاب الواحد وإن كان قد يَرِد بصيغة جمع، نحو: {قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا} [المؤمنون: ٩٩، ١٠٠] إلَّا أنَّه مجاز، فلا يقدح في دعوى القرينة في نحو: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ}، بل القرينة في مِثل ذلك قد توجد والضمير مفرد، نحو: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ} [التحريم: ١]، الآية، فإن غير النبي - صلى الله عليه وسلم - هذا الحكم أَوْلى منه به؛ ولهذا قال بعده: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم: ٢].

تنبيهات
الأول: عَكْس هذه المسألة - نحو "يا أيها الأُمة" - قال الهندي والقاضي عبد الوهاب: لايدخل قطعًا. كما سبق تقريره في مسألة: شمول {يَاأَيُّهَا النَّاسُ} {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} الرسولَ.
الثاني: القائلون بشمول نحو {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ} للأُمة لا يقولون: إنه باللغة، بل للعُرف في مِثله، حتَّى لو قام دليل على خروج النبي - صلى الله عليه وسلم - مِن ذلك، كان من العام المخصوص. ولا يقولون: إنهم دخلوا بدليل آخَر؛ لأنه حينئذٍ ليس محل النزاع. فيتحد القولان.
الثالث: مما يظهر فيه ثمرة الخلاف في المسألة ما خرَّجه الحنفية على أصلهم مِن انعقاد

الصفحة 1427