كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 3)

وكذا عمم الشَّافعي الحكم في الأختين؛ لحديث فيروز الديلمي أنَّه أسلم وتحته أختان، فقال له النبي - صلى الله عليه وسلم -: "اختر أيتهما شئت" (¬١). رواه أحمد والتِّرمِذي وابن ماجة.
وخالف أَبو حنيفة في جَعْلِ ترك الاستفصال كالعام، وقال: إنه لم يقع في الواقعة إلَّا حالة واحدة، فإنْ دَلَّ على خصوص حاله دليل، فهو، وإلَّا [فمُجمَل] (¬٢) إلى قيام دليل على كيفية الوقوع. ووافقه أصحابه سوى محمد بن الحسن؛ فإنه استحسن مقالة الشَّافعي.
ثم أوَّل أصحابه هذه الأحاديث إما على أنَّه - صلى الله عليه وسلم - علم أن عَقد كل واحد ممن خَيَّره كان على كل نسائه معًا، لا مُرتَّبًا، وإما أنَّه مُرتَّب ولكن قوله له: "أمسك أربعًا" معناه: ابتدئ نكاح أربع. أو أن المراد: اختر أربعًا أوائل، أو غير ذلك من التأويلات البعيدة.
والقول بالعموم أقرب من ذلك كله؛ فقد كان من عادته - صلى الله عليه وسلم - أن يستفسر في القضايا؛ حتَّى لا يدع ريبةً ولا إشكالًا.
ففي قصة ماعز لما قال: (زنيت)، قال له: "كيف كذا؟ أَبِكَ جنون؟ هل أحصنت؟ " (¬٣). وغير ذلك من السؤالات الواقعة في حديثه في "الصحيحين" وغيرهما. وفي "البخاري": "لعلك قَبَّلْتَ أو غَمَزتَ" (¬٤).
وفي ابن حبان: "هل تدري ما الزنا" (¬٥).
---------------
(¬١) سنن التِّرمِذي (١١٢٩)، سنن ابن ماجة (١٩٥١). قال الألباني: حسن. (صحيح سنن التِّرمِذي: ١١٢٩).
(¬٢) كذا في (ص، ق)، لكن في (س): فمحتمل.
(¬٣) صحيح البخاري (رقم: ٦٤٣٠)، صحيح مسلم (رقم: ١٦٩١).
(¬٤) صحيح البخاري (رقم: ٦٤٣٨).
(¬٥) صحيح ابن حبان (٤٣٩٩)، سنن أبي داود (رقم: ٤٤٢٨)، سنن النَّسائي الكبرى (٧١٦٥) وغيرها.=

الصفحة 1448