الثاني: استند مَن قال بوجوب [العمل] (¬١) (وهو الصيرفي) إلى نَصِّ الشافعي في "الرسالة"، إذْ قال ما نصه: (والكلام إذا كان عامًّا ظاهرًا، كان على عمومه وظهوره حتى تأتي دلالة تدل على خلاف ذلك).
حكى ذلك عنه الشيخ أبو حامد، وحُكي عن القفال أن الصيرفي سُئل عن قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ} [الملك: ١٥] مَن سَمع هذا، يأكل جميع ما يجده؟ قال: يبلع الدنيا بلعًا.
قال أبو حامد: (وابن سريج ورفقته تعلقوا بقول الشافعي ما نصه: وعلى أهل العلم بالكتاب والسنة أن يطلبوا دليلًا يفرقون به بين الحتم وغيره في الأمر والنهي) (¬٢). انتهى
الثالث: مثار الخلاف في المسألة التعارض بين الأصل والظاهر، وله مثار آخر وهو أن التخصيص هل هو مانع؟ أو عدمه شرط؟
فالصيرفي يجعله مانعًا، فالأصل عدمه.
وابن سريج يجعله شرطًا، فلا بُدَّ مِن تحقُّقه. ونظيره الشاهد عند الحاكم لا يُعرف حاله، فيُبحث عنه حتى يُعمل بشهادته إذا عُدِّل.
ونظيره أيضًا صيغة العموم المحتملة للعهد، هل يُعمل بها؛ لأن العهد مانع والأصل عدمه؟ أو عدم العهد شرط، فلا بُدَّ مِن تحقُّقه؟
الرابع: قال ابن الحاجب: (إنَّ هذا الخلاف يجري في كل دليل مع معارِضِه).
وهي طريقة لبعضهم ممن ذكرها الشيخ أبو حامد، إذ قال: (وهذا الخلاف بين أصحابنا في لفظ الأمر والنهى إذا وردَا مُطلقَين).
---------------
(¬١) في (ت): وقت العمل.
(¬٢) الأم (٥/ ١٤٣).