ولذلك احْتِيج في: (قول العباس - رضي الله عنه - بعد قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: "ولا يُخْتَلَى خلاها": إلا الإذخر. فقال: "إلا الإذخر") (¬١) إلى تأويله بأن العباس أراد أن يُذكره - صلى الله عليه وسلم - بالاستثناء؛ خشية أن يسكت عنه اتكالًا على فَهم السامع ذلك بقرينة وفهمًا منه أنه يريد استثناءه؛ ولأجل ذلك أعاد النبي - صلى الله عليه وسلم - الاستثناء فقال: "إلا الإذخر". ولم يكتف باستثناء العباس.
فكل ذلك يرشد إلى اعتبار كونه من متكلم واحد.
وجوابه: أن اشتراط الاتصال كافٍ في ذلك، فإنه ليس المراد به مجرد اتصال زمانه بزمان المستثنى منه، بل تعقيب المتكلِّم كلامه بكلامه؛ للارتباط في نطقه.
ولذلك شُرِطت فيه نيته قبل أن يفرغ مِن المستثنى منه، أو مِن أوله على رأْيٍ مرجوح كما بُيِّن في الفقه على اضطراب فيه وقع للرافعي.
فإنْ فُرض أن المتكلم بالمستثنى منه اتكل على المتكلم بالاستثناء، فالأول لم يستثن، والثاني لم ينطق بمفيد؛ لأن الاستثناء لا يستقل بنفسه.
وقد سبق في مباحث اللغة أن الكلام هل يشترط فيه أن يكون من واحد؟ أوْ لا؟ وأن ابن مالك رد على مَن اشترطه، وأن التحقيق فيه أن الإسناد إنْ صدر مِن كل مِن القائل: (زيد) والقائل: (قائم)، فكل منهما متكلم بكلام ذكر بعضه وحذف الآخَر لِقرينة تَكلُّم الآخر، والحذفُ للقرينة اللفظية في المبتدأ والخبر وفي الفعل ومرفوعه جائزٌ. وإنْ لم يكن لأحدهما قصد ولا إسناد فلا كلام لا مِن هذا ولا مِن هذا.
الرابع:
اختُلف في تقدير دلالة الاستثناء على مذاهب منشأها إشكال في معقولية الاستثناء.
---------------
(¬١) صحيح البخاري (١١٢)، صحيح مسلم (١٣٥٥).