فإنك إذا قلت: (قام القوم إلا زيدًا)، فإنْ لم يكن زيد دخل فيهم، فكيف أُخْرج هذا وقد اتفق أهل العربية على أنه إخراج؟ وإنْ كان دخل، فتناقَض أول الكلام وآخِره.
وكذا نحو: (له علَيَّ عشرة إلا درهمًا)، بل أَبْلغ؛ لأن العدد نَص في مدلوله، والعام فيه الخلاف السابق.
وذلك يؤدي إلى نفي الاستثناء من كلام العرب؛ لأنه كذب على هذا التقدير في أحد الطرفين، ولكن قد وقع في القرآن الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
أحد المذاهب وبه قال القاضي أبو بكر: أن نحو: "عشرة إلا ثلاثة" مدلوله سبعة، لكن له لفظان، أحدهما: مركَّب، وهو: "عشرة إلا ثلاثة"، والآخَر: "سبعة". وقصد بذلك أن يُفرق بين التخصيص بدليل متصل فيكون الباقي فيه حقيقة، أو بالمنفصل فيكون تناول اللفظ للباقي مجازًا. ووافقه إمام الحرمين على أن ذلك بمنزلة اسمين بالوضع: أحدهما مركب، والآخر مفرد.
والثاني (ونقله ابن الحاجب عن الأكثرين): أن المراد بِـ "عشرة": سبعة، و"إلا" قرينة بيَّنت أن الكل استُعمل وأُريد به الجزء مجازًا. وعلى هذا فالاستثناء مُبيِّن لغرض المتكلم بالمستثنى منه.
فإذا قال: (علَيَّ عشرة)، كان ظاهرًا في الجميع، ويحتمل إرادة بعضها مجازًا، فإذا قال: (إلا ثلاثة)، فقد بَيَّن أن مراده بِـ "العشرة" سبعة فقط كما في سائر التخصيصات.
واستنكر إمام الحرمين هذا القول، وقال: (إنه مُحَال، لا يعتقده لبيب) (¬١).
والثالث (واختاره ابن الحاجب): أن المراد بالعشرة: عشرة باعتبار أفراده، ولكن لا يُحكم بما أُسنِد إليها إلا بعد إخراج الثلاثة منها، ففي اللفظ أسند الحكم إلى عشرة، وفي
---------------
(¬١) البرهان (١/ ٢٧٠).