بِهِ وَلَا تَحْنَثْ} جعل طريق بِره ذلك، ولو كان الاستثناء المتراخي يُحصِّل البِر، لَمَا جعل الله الوسيلة في البر ذلك.
وفي "تاريخ بغداد" لابن النجار في أثناء "حرف الشين المعجمة" أن الشيخ أبا إسحاق الشيرازي أراد الخروج مرة من بغداد فاجتاز في بعض الطرق، وإذا برجُل على رأسه سلة فيها بَقل وهو يقول لآخَر: مذهب ابن عباس في تراخي الاستثناء غير صحيح، ولو صح لَمَا قال الله تعالى لأيوب عليه السلام: {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}، بل كان يقول له: استثنِ، ولا حاجة إلى التوسل للبر بذلك. فقال أبو إسحاق: بلدة يَرُد فيها رجُل يحمل البَقل على ابن عباس لا تستحق أن يُخرج منها.
قال ابن الحاجب: (ولو صح تراخي الاستثناء لبطل جميع الإقرارات والطلاق والعتق، وأيضًا فيؤدي إلى أنه لا يُعلم صِدق ولا كذب) (¬١).
لأنَّ مَن قال: (قَدم الحاج)، يحتمل أنه يريد أن يستثني بعد ذلك بعضهم. والأدلة في المسألة كثيرة.
وأما النَقْل عن ابن عباس فيُحمل على محامل سبق بعضها، ومنها ما قاله القرافي: (إنه إنما قال ذلك في التعليق على مشيئة الله عز وجل بأنْ يقول: "إن شاء الله"، لا الاستثناء بِـ "إلا" أو إحدى أخواتها).
قال: (ونقَل العلماء أن مدْركه في ذلك: {وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ} [الكهف: ٢٣ - ٢٤]، المعنى: إذا نسيت أن تقول: "إن شاء الله"، فقُلْه إذا تذكرت أنك لم تَقُل). انتهى
لكن في "مستدرك الحاكم" بسنده عنه أنه قال: "إذا حلف الرجل على يمين، فَلَه أن
---------------
(¬١) مختصر المنتهى (٢/ ٨٠٤).