كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 4)

غيره، مُكِّنَ منه، ولو وصل بالأصل استثناء يرفع الجميع ثم أراد أن يستثني مرة أخرى، لم يمكَّن مِن ذلك.

الشرط الثاني لصحة الاستثناء:
أن لا يكون مستغرقًا، نحو: (له علَيَّ خمسة إلا خمسة)، فيلزمه الخمسة كما لو لم يستثنِ. وادَّعى جماعة -منهم الآمدي وابن الحاجب- الإجماعَ عليه. لكن الخلاف محكي في بعض المذاهب وإنْ كان شاذًّا.
ففي "المدخل" لابن طلحة في: (أنت طالق ثلاثًا إلا ثلاثًا) قولان عن مالك. كذا رأيته فيه، ونقله القرافي عنه.
ونقل اللخمى عن بعضهم في: (أنت طالق واحدة إلا واحدة) أن الطلاق لا يقع؛ لأن الندم منتفٍ بإمكان الرجعة، بخلاف: (ثلاثًا إلا ثلاثًا).
وفي "الهداية" للحنفية أن بطلان المستغرق إنما هو في نحو: (نسائي طوالق إلا نسائي)، أو: (أو صيت بثلث مالي إلا ثلث مالي). لا في نحو: (نسائي طوالق إلا هؤلاء) مشيرًا إليهن، أو: (ثلث مالي إلا ألف درهم) وهو ثلثه.
قالوا: لأنَّ الاستثناء تصرُّف، فيبنى على صحة اللفظ، لا على صحة الحكم؛ ولهذا لو قال: (أنت طالق عشر طلقات إلا ثمانيًا) يقع طلقتان، ويصح الاستثناء وإن كان العَشر لا صحة لها مِن حيث الحكم.
وأما عند الشافعية فمحل بطلان المستغرق ما لم يعْقب المستغرق استثناء بعضه، كَـ: (عشرة إلا عشرة إلا ثلاثة) فإنَّ فيه وجوهًا:
أحدها: يلزمه عشرة، فإن الاستثناء الأول لم يصح، والثاني مُرتب عليه.
وثانيها: يلزمه ثلاثة، واستثناء الكل من الكل إنما لا يصح إذا اقتصر عليه. أما إذا عقبه

الصفحة 1530