مِن حيث إنه أُخْرِج من الإثبات، بل من حيث إنَّ الأصل فيه نَفْي ذلك الحكم. فالحكم [مَنْفِي] (¬١) عنه باعتبار الأصل، لا بدلالة الاستثناء.
والأول هو قول الجمهور، فإذا قال: (له علَيَّ عشرة إلا درهمًا)، كان إقرارًا بتسعة. وإذا قال: (ليس له عليَّ شيء إلا درهمًا)، كان مقرًّا بدرهم.
والثاني قول الحنفية، فيوجبون في: (له عليَّ عشرة إلا درهمًا) تسعة، مِن حيث إنَّ الدرهم المخرج منفي بالأصالة، لا من حيث إن الاستثناء من الإثبات نفي. ولا يوجبون في: (ليس له عليَّ شيء إلا درهمًا) شيئًا؛ إذِ المراد: (إلا درهمًا، فإني لا أَحْكُم عليه بشيء)، ولا إقرار إلا مع حُكم بإثبات.
فإنْ قيل: فقد رجح أصحاب الشافعي في فروع خلاف ذلك، كقولهم في: (ليس له عليَّ عشرة إلا خمسة): إنه لا يلزمه شيء عند الأكثر. وفي وجه: يلزمه خمسة؛ على قاعدتهم. فكيف خالف الأكثر القاعدة؟
ولو قال: (لا ألبس إلا الكتان) ولم يلبس شيئًا، كان كذلك.
وكذا: (لا أجامعك في السَّنة إلا مَرة)، فمضت السنة ولم يطأ، ففي وجه: يحنث؛ للقاعدة. والأصح (كما قال النووي): لا. فكيف رجَّحوا خلاف القاعدة؟
فجوابه أن استثناء العَدد مِن العَدد تعبير بذلك عن الباقي بعد الاستثناء. والنفي إنما انصَبَّ عليه، فكأنه قال: (لا يلزمني خمسة). لا سيما إذا قلنا: (إن الحكم بعد الإخراج) كما سبق في تقرير دلالة ذلك.
وأما: (لا ألبس إلا الكتان) فمعناه الحلف على لبس غير الكتان، وإذا لم يلبس شيئًا، صدق أنه لم يلبس غير الكتان.
---------------
(¬١) كذا في (ص، ق)، لكن في (س): ينتفي.