كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 4)

الإباحة، وما زاد يحتاج لدليل؛ فلذلك استشكل الاستدلال بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحد المرأة إلا على زوج" (¬١) الحديث - على الوجوب حتى احتاج لأمر آخَر يدل على الوجوب، كما بُيِّن في محله، وأوضحنا ذلك في "شرح العمدة".
ولم يتعرض الأصوليون لهذه المسألة صريحًا، لكنها تخرج من عموم قاعدة "الاستثناء مِن النفي إثبات" على ما قررناه.
قولي: (فَإنْ تَعَدَّدْ، فَبِذَا يُحْكَمُ في الْكُلِّ) المراد به أن هذه القاعدة [إذا تمهدت] (¬٢) في الأمرين (وهُما الاستثناء من النفي ومن الإثبات)، ترتَّب عليها تَعدُّد الاستثناء، نحو: (له علي عشرة إلا تسعة إلا ثمانية إلا سبعة) وهكذا.
لكن للمسألة أحوال:
الأولى: ما ذكرناه من المثال ونحوه مما ليس فيه عطف استثناء على استثناء، ولا كون أحدهما مستغرقًا لما قبله. ويمكن أن كُلًّا مُخْرَج مما قَبْله، فهذا كل استثناء يُرْجَع فيه لِمَا قَبْله.
فإنْ كان الذي قبله مثبتًا، كان منفيًّا، أو منفيًّا، كان مثبتًا.
فالعشرة إثبات، والتسعة نفي؛ فيبقى واحد. والثمانية إثبات، تصير مع الواحد تسعة، والسبعة نفي؛ يبقى المقَرُّ به اثنان.
ولاستخراج الحكم من ذلك طُرُق للنحاة وغيرهم:
إحداها: ما أشرنا إليه مِن طريقة الإخراج وجبر الباقي بالاستثناء الثاني، وهكذا إلى
---------------
(¬١) مسند أحمد (٢٠٨١٣)، سنن أبي داود (رقم: ٢٣٠٢) وغيرهما بلفظ: (لَا تحِدُّ الْمَرْأَةُ فَوْقَ ثَلَاثٍ إلا على زَوْجٍ). قال الألباني: صحيح. (صحيح أبي داود: ٢٣٠٢).
(¬٢) كذا في (ص، ق)، لكن في (ت، س، ض): إذ المذهب. وفي (ش): إذ المهذب.

الصفحة 1545