وحديث: "ليس على المسلم في عبده ولا فرسه صدقة إلا زكاة الفطر في الرقيق" (¬١).
ونحو ذلك ما قال أهل التفسير في قوله تعالى: {وَإِذَا جَاءَهُمْ أَمْرٌ مِنَ الْأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ} [النساء: ٨٣] إلى قوله: {إِلَّا قَلِيلًا}: إنه استثناء مِن الجملة الأولى.
ومثال العائد للأخير جزمًا -للدليل- لا إلى غيره: قوله تعالى: {فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ} [النساء: ٩٢] الآية، فإنَّ {إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا} إنما يعود للدية، لا للكفارة.
ونحوه: {إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: ٤٣] لا يعود للسُّكْر؛ لأن السكران ممنوع من دخول المسجد؛ إذْ لا يُؤْمَن مِن تلويثة. قاله ابن أبي هريرة في "تعليقِه".
أو للأخير جزمًا وإنْ كان في غيره محتملًا، فيجري فيه الخلاف، كقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الآية، فـ {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} [النور: ٥] عائد للإخبار بأنهم فاسقون قطعًا حتى يزول عنهم -بالتوبة- اسمُ "الفسق". بل قال بعض أصحابنا: ويلزم منه لازِم الفسق، وهو عدم قبول الشهادة، خلافًا لقول أبي حنيفة: إنه [تزول] (¬٢) سِمةُ الفسق ولا تُقبل شهادته؛ عملًا بما سيأتي من قاعدته وهو العَوْد للأخير، لا إلى غيره.
ولا يعود في هذه الآية للجَلد المأمور به قطعًا؛ لأن حد القذف حَقُّ آدمي؛ فلا يَسقط بالتوبة.
وهل يعود إلى قبول الشهادة، فتُقبل إذا تاب؟ أوْ لا فلا تقبل؟
فيه الخلاف الآتي.
ومثال العائد للكل قطعًا بالدليل: قوله تعالى: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ} [المائدة: ٣٣] الآية، فـ {إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا} عائد للجميع بالإجماع كما قاله ابن السمعاني.
---------------
(¬١) سبق تخريجه.
(¬٢) في أكثر النُّسخ: يزول.