قلتُ: فكيف لم توقع الاستثناء في الآية على الكلام كله وأوقعت في هذا الذي هو أكثر في اليمين على الكلام كله؟ ) (¬١). انتهى
قلتُ: قد يقال: إنَّ الشافعي إنما ألزم بذلك الخصم، والمناظِر قد يُلزم الخصم بما لا يعتقده، وأيضًا فإنما ألزمه في تعقيب الكلام بـ "إن شاء الله"، وسيأتي أنه ليس الخلاف بيننا وبين الحنفية إلا في الاستثناء بِـ "إلا" ونحوها مِن أدواته.
وأما "إن شاء الله" فقد سبق أن تسميته استثناءً مَجازٌ، إلا أن يريد الشافعي قياس الاستثناء على "إن شاء الله" الذي هو متفق على عَوْده للكل.
وأما ما حكاه البيهقي فيحتمل أنَّ المراد بالاستثناء فيه "إنْ شاء الله"، وهو وفاق.
ولأجل ذلك قال القاضي أبو الطيب: (وما وجدت مِن كلام الشافعي ما يدل عليه إلا أنه قال في "كتاب الشاهد واليمين": إذا تاب القاذف، قبلت شهادته، وذلك بيِّنٌ في كتاب الله عز وجل. وهذا يدل على أنه رَدَّ الاستثناء إلى الفسق ورَدِّ الشهادة. وقد استدل أبو إسحاق وغيره من أصحابنا على قبول شهادته بعموم الاستثناء). انتهى
قلتُ: ويحتمل أن الشافعي إنما قال ذلك لأنه إذا انتفى الفسق، وجب قبول شهادته؛ للتلازم.
وقد أشار إلى ذلك الشافعي في بعض مناظرات الخصم، فقال في "الأم" -في الباب الذي سبق ذِكره بَعد أن قال له محمد بن الحسن: (إن أبا بكرة قال لرجل استشهده: لا تستشهدني، فإن المسلمين فَسَّقُوني)، أي: وإنْ كنتُ قد تُبْتُ- ما نصه:
(وفيما قال دلالة على أن المسلمين لا يُلزمونه اسم "الفسق" إلا وشهادته غير جائزة، ولا
---------------
(¬١) الأم (٧/ ٩٠).