ولا يخفى ضَعْفُ الأمرين؛ لِمَا ذكر الأئمة مِن الأمثلة في محل الخلاف.
وكذا اشتراط تأخُّر الاستثناء. ولكن الصواب لا فرق.
وأما المتوسط بين جملتين إحداهما معطوفة على الأخرى فَقَلَّ مَن تَعرَّض له، وقد ذكره الأستاذان أبو إسحاق وأبو منصور، نحو: (أَعْطِ بني زيد إلا من عصاك، وأَعْطِ بني عمرو). وحكيَا عن الأصحاب فيها وجهين: الرجوع إليهما، وإلى ما قَبله دُون ما بَعده. ثم ذكرَا كلامًا في الأمر والخبر وأَطالَا فيه.
وقياس قول أبي حنيفة باختصاصه بالجملة التي تليه أنَّ الاستثناء إذا تَقدم، اختص بالجملة الأُولى.
وربما خرج من هذه القيود مذاهب غير ما سنذكره من المذاهب الأصلية.
فالمذهب الثاني في المسألة:
أنه عند التجرد عن قرينة للكل أو للبعض إنما يعود للأخير فقط، وهو قول أبي حنيفة وأكثر أصحابه، واختاره الإمام الرازي في "المعالم"، وقال الأصفهاني في "القواعد": إنه الأشبه. ونقله صاحب "المعتمد" عن الظاهرية، ويحكَى أيضًا عن أبي عبد الله البصري من المعتزلة وعن أبي الحسن الكرخي، وإليه ذهب الفارسي، وحكاه إلْكِيَا وابن برهان عنه، واختاره المَهَابَاذيُّ في "شرح اللمع".
وقد يُظَنُّ أن ذلك مذهب الشافعي؛ لأن النصوص -كما قال الشيخ أبو إسحاق- فيما لو قال: (أنت طالق طلقة وطلقة إلا طلقة) وقوع طلقتين. وفي وجهٍ: طلقة. فيظن أن هذا [بناءه] (¬١) على عَوْدِه للجميع، وأن النص بناء على عَوْده للأخير.
---------------
(¬١) كذا في (ص)، لكن في (س، ق): بناء.