ونحوه ما قاله ابن الصباغ في: (أنت طالق ثلاثًا وثلاثًا إلا أربعًا) أنه يقع ثلاث؛ إذ لو أُعيد للجميع لَوقعت طلقتان.
ولكن ليس الأمر كذلك، إنما ذلك لقاعدة أن المفرَّق لا يُجْمَع على الأصح.
ونحو ذلك أيضا ما قاله القاضي أبو الطيب: (لو قال: "له عليَّ درهم ودرهم إلا درهمًا" يَلزمه درهمان على المنصوص).
نعم، لذلك مدْرَك آخَر، وهو أن عَوْد الاستثناء للجميع هل معناه إلى كل واحد؟ أو إلى المجموع ويوزع عليها؟
فيه خلاف حكاه الماوردي وفرَّع عليه لو قال: (له عليَّ ألف درهم ومائة دينار إلا خمسين) وأراد بالخمسين جنسًا غيرهما، فيُقبَل منه. فإنْ أراد عَوْده إلى أحدهما، عُمِل به، أو إليهما معًا بمعنى نقص خمسين مِن كل منهما، عُمِل به، أو يُنصف الخمسين عليهما، عُمل به. وإنْ مات قبل البيان، قال: فعند أبي حنيفة يعود إلى ما يليه، وعند أصحابنا يعود إليهما. ثم اختلفوا على وجهين:
أحدهما: على معنى إخراج خمسين مِن كل منهما.
والثاني: يعود إليهما نصفين، مِن كلٍّ خمس وعشرين (¬١).
ولم يصحح الماوردي شيئًا، وذكرهما الروياني في "البحر" وصحح الأول.
ويظهر أثر هذا الخلاف -الذي ذكره الماوردي- فيما لو قال: (أكرِم بني تميم وبني بكر إلا ثلاثة)، هل معناه: إلا ثلاثة مِن كل قبيلة؟ أو إلا ثلاثة من المجموع؟
وبالجملة فقد استُدل لهذا المذهب بأن الاستثناء لَمَّا لم يكن [مستقلًّا] (¬٢) واحتاج إلى ما
---------------
(¬١) الحاوي الكبير (٧/ ٢٣).
(¬٢) في (ت، س، ض): متصلا.