واعلم أن الخلاف في المسألة قديم قبل صاحب "المحصول"، فقد حكى الصيرفي في كتاب "الدلائل" قولين عن أهل اللغة:
أحدهما: أنه يرجع إلى ما يليه حتى يقوم دليل على إرادة الكل.
والثاني: أنه يعود للكل؛ لأنه وقع في آخِر الكلام؛ فلَم يكن آخر المعطوفات مختصًّا به دون غيره.
وحكى الغزالي عن الأشعرية عدم عوده للجميع، وحكى ابن العارض المعتزلي عن علمائهم عَوْدَه للجميع ولو قيل في الاستثناء: يعود للأخير. ثم نقل عن بعض الأدباء ما سبق حكاية الإمام في "المحصول".
وأما قوله في "المحصول": (إنَّ الشافعي وأبا حنفية متوافقان) فمردود بحكاية الماوردي وابن كج عن أبي حنيفة أنه كالاستثناء في اختصاصه بالأخير.
ثم قال الماوردي: (إن ذلك غلط؛ لقوله تعالى: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة: ٨٩] إلى قوله تعالى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ}، فإنه عائد للجميع، لا الرقبة فقط) (¬١).
وأما النقل عن بعض الأدباء أنه "إنْ تَقدم، اختص بما يليه" فبناء على عدم العَوْد للكل. وكذا قال الهندي: إنه منقول عن كل مَن خصصه بجملة واحدة.
لكن قد صرح الصيرفي بأنه يعود للكل، سواء تَقدم أو تأخر، وكذا إلْكِيَا الطبري.
وقال أبو الحسن السهيلي -من أصحابنا- في كتاب "أدب الجدل": إنه مذهب الشافعي. ثم حكى عن بعضهم أن المتقدم يعود للجميع، والمتأخِّر للأخير فقط.
وهو تفصيل غريب يكون قولًا خامسًا في المسألة.
---------------
(¬١) انظر: الحاوي الكبير (١٦/ ٧١).