يتحقق فيه معنى الإخراج، والتخصيص لا بُدَّ فيه من الإخراج؛ فلذلك قدروا في آية الحج: ولله الحج على المستطيع.
وكذا أنكره الاصفهاني في "شرح المحصول"؛ ومن ثَم لم يذكره الأكثرون كما أشرتُ إليه في النَّظم، وصوَّبَهم الشيخ تقي الدين السبكي؛ لِما سبق مِن كون المبدل منه في نية الطرح.
وأيضًا: فلو لم يكن البدل مُستغنًى به عن المبدل منه لَمَا سموه بدلًا؛ لأن بدل الشيء لا يجتمع معه، فإذا اجتمعا، وجب تقدير اطراحه.
وأيضًا: فالبدل مُعبَّر به عن بعض المبدل منه، فهو من العام المراد به الخصوص، لا العام المخصوص.
قلتُ: لكن فيما قالوه نظر من وجهين:
أحدهما: أن الشيخ أبا حيان نقل التخصيص بالبدل عن الشافعي، إذ قال في قصيدته التي رويناها عن شيخنا شيخ الإسلام البلقيني قراءة عليه عن أبي حيان متضمنة لمدح الشافعي (رحمه الله): إنه هو الذي استنبط الفن الأصولي، وإنه الذي يقول بتخصيص العموم بالبدلين. ومراده: بدل البعض، وبدل الاشتمال. فاستفدنا منه أن بدل الاشتمال في معنى بدل البعض في التخصيص عند مَن يقول به.
ومعناه ظاهر؛ لأنَّ قولك: (أعجبني زيد علمه) يكون الأول مُعبرًا به عن مجموع ذاته وعِلمه وسائر أوصافه، فإذا قلت: (عِلمه) تخصَّصَ الحكم بعلمه فقط.
وإنما لم أذكره في النَّظم لرجوعه بالتأويل المذكور لبدل البعض فيما قصد من التخصيص.
نعم، فهم كثير مِن "البدلين" أنهما بدل البعض وبدل المطابقة، وذلك فيما إذا كان المبدل منه نكرة عامة والبدل معرفة أو نكرة خاصة، فإن ذلك لا يخرجه عن كونه بدل مطابقة.