كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 4)

الحس، فلم يخرج عن كونه خارجًا بالعقل؛ فَلْيَكُونَا قِسمًا واحدًا وإنِ اختلف طريق الحصول.
وقد أشار إلى ذلك العبدري في "شرح المستصفى" في المقدمة حتى ادَّعَى أن أصل العلوم كلها الحِس.
لكن ما قاله مردود، فإنَّ مِن الفِرَق مَن ينكر الحسِّيَّات ويعترف بالبديهيات، كأفلاطون وأرسطاطاليس وبطليموس وجالينوس، لا على معنى سقوطه بالكُلية، بل على معنى أنه يُخطئ ويصيب؛ لأنه عُرضة للآفات وفاسد التخيلات.
والرد عليهم في ذلك مشهور في محله، فكيف يُدَّعَى الاتحاد بين الحس والعقل؟
نعم، قد يؤخذ مِن ذلك خِلاف في أن الحس يُخصِّص أوْ لا وإنْ لم يتعرضوا لخلاف فيه.

الثاني من المخصِّص المنفصل:
العَقل، ضروريًّا كان أو نظريًّا.
فالأول: كتخصيص قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦]، فإنَّ العَقل قاضٍ بالضرورة أنه لم يخلق نَفْسَه الكريمة ولا صفاته القديمة.
والثاني: كتخصيص قوله تعالى: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا} [آل عمران: ٩٧]، فإنَّ العقل -بِنَظَرِه - اقتضى عدم دخول الطفل والمجنون في التكليف بالحج؛ لعدم فَهْمهما، بل هما من جملة الغافل الذي هو غير مخاطَب بخطاب التكليف كما سبق في الكلام على الحُكْم أول الكتاب.
قال الشيخ أبو حامد: (لا خلاف بين أهل العلم في ذلك).
نعم، منع كثيرٌ أنَّ ما خرج مِن الأفراد بالعقل مِن باب "التخصيص"، وإنما العقل اقتضى عدم دخوله في لفظ العام، وفَرْق بين عدم دخوله وبين خروجه بعد أنْ دخل.

الصفحة 1603