كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 4)

وما ذكروه هو ظاهر نَص الشافعي في "الرسالة"، فإنه قال في "باب ما نزل من الكتاب عامًّا يُراد به العام": (إنَّ مِن العام الذي لم يدخله خصوص قوله تعالى: {اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ} [الرعد: ١٦]، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا} [هود: ٦] (¬١).
قال: (فهذا عام لا خاص فيه، فكل شيء من سماء وأرض وذي روح وشجر وغير ذلك فالله خالقه، وكل دابةٍ فَعَلَى الله رِزقُها ويعلم مستقرها ومستودعها) (¬٢). انتهى
فجعله الشافعي - رضي الله عنه - مما لم يدخله تخصيص، وما ذلك إلا لأن ما اقتضى العقل عدم دخوله -لم يدخل، فكيف يقال: دَخلَ ثم خَرجَ؟ !
نعم، اختُلِف في أنَّ هذا الخلاف هل هو معنوي؟ أو لفظي لا فائدة فيه؟
وبالثاني قال القاضي وإمام الحرمين وابن القشيري والغزالي وإلْكِيَا وغيرهم، ووافقهم القرافي وكذا الشيخ تاج الدين السبكي بعد ما نقل عن إمام الحرمين أنَ هذه المسألة قليلة الفائدة نزرة الجدوى والعائدة؛ فإنَّ تَلَقَي الخصوص مِن مأخذ العقل غير مُنكَر، وكَوْن اللفظ موضوعًا للعموم على أصل اللسان لا خِلاف فيه مع مَن يعترف ببطلان مذهب الواقفية وإنِ امتنع مِن تسمية ذلك "تخصيصًا"، فليس في إطلاقه مخالفة شرع أو عقل.
والخلاف في المسألة لفظي عند التحقيق، ويشهد له قول الأستاذ أبي منصور: أجمعوا على صحة دلالة العقل على خروج شيء عن حُكم العموم، واختلفوا في تسميته "تخصيصًا".
ومَن قال بالأول قال: لأنَّ العام المخصوص بدليل العقل -على قول مَن يُجَوِّز تخصيصه به- يجرى فيه الخلاف السابق في أنه حقيقة فيه أو مجاز، ومَن لا يجوِّز تخصيصه به
---------------
(¬١) الرسالة (ص ٥٣).
(¬٢) الرسالة (ص ٥٤).

الصفحة 1604