كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 4)

فلذلك قال بأنه عام لا تخصيص فيه. ولذلك لو قال رجل: (نساء العالم طوالق)، لم تطلق امرأته على أحد الوجهين.
ولذلك رد الصيرفي اعتراض ابن داود وابن أكثم وابن أبي داود على الشافعي ادِّعاء بقاء ذلك على عمومه بأنَّ هؤلاء جهلوا الصواب وذهلوا عن اللغة؛ لأن رجُلًا لو كان مِن أهل بغداد فقال: (أطعمتُ أهل بغداد جميعًا)، لا يقال له: خرجتَ بتخصيص. بل يقال: لَمْ تدخل؛ لأنك المطْعِم وهُم المطعَمون سواك.
ثانيهما: أن لفظ "شيء" يطلَق على الله عز وجل، وهو أحد المذهبين.
ومأخذ المنع إما عدم الإذن؛ فالأسماء توقيفية، وإما أنَّ "شيئًا" مصدر أُطلِق على المفعول، فهو بمعنى "مشيء"، و"المشيء" مُحْدَث، فلا يُطلق على القديم "شيء".
وأما قوله تعالى: {قُلْ أَيُّ شَيْءٍ أَكْبَرُ شَهَادَةً قُلِ اللَّهُ} [الأنعام: ١٩] فليس بصريح؛ لجواز أن لا يوقف على الجلالة، بل يكون مبتدأ، وما بَعده الخبر.
فإنْ قيل: فقد قال تعالى: {وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ} [البقرة: ٢٥٥] وعِلمه تعالى قديم، فلو كان "شيء" بمعنى "مشيء"، لكان يلزم حدوث عِلمه تعالى.
قيل: يجوز أنْ يكون أطلق العِلم بمعنى المعلوم؛ فلَم يقع إطلاق "الشيء" على نفس العلِم الذي هو قديم.
وقد بَطُل بذلك قول ابن داود: إنه يَلزم على الشافعي أن يكون عِلم الله تعالى مخلوقًا.
وقد سَفَّه الأئمة اعتراضه ووَهّوه بأمور كثيرة. وفيما ذكرناه كفاية.
وكذلك اعترض ابن داود على الشافعي في جَعْلِه: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: ٦] مِن العام الذي لم يخصص بأنَّ مِن الدواب مَن أفناه الله قبل أنْ يرزقه.
وردَّه الصيرفي بأن ذلك خطأ؛ لأنه لا بُدَّ له مِن رزق يقوم به حياته ولو بِنَفَس يأتيه به.

الصفحة 1606