وقد جعل الله غذاء طائفة مِن الطير التنفس إلى مُدة يصلح فيه للأكل والشرب.
وأما قوله تعالى: {يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ} [النور: ٣٨] فمعناه: يزيد في رزقه؛ بدليل {وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ} [النحل: ٧١].
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث المطلب بن حنطب فيما رواه الشافعي وغيره: "إنَّ الروح الأمين نَفَثَ في رَوْعي أنه لن تموت نَفْسٌ حتى تَسْتَوْفِيَ رِزقها، فاتقوا الله، وأَجْمِلوا في الطلب" (¬١).
نعم، هل يطلق على المعدوم "شيء"؛ إنْ كان مستحيلًا، فلا بلا خلاف عند المتكلمين.
و[غَلطَ] (¬٢) الزمخشري على المعتزلة في ذلك، إنفي خِلافُهم في المعدوم الذي ليس بمستحيل.
نعم، عند النحاة أن المعدوم يُطلق عليه "شيء"، مستحيلًا كان أوْ لا.
إذا تَقرر أن المستحيل لا يُسمى "شيئًا" على رأي التكلمين، تَبيَّن أن نحو: {وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [البقرة: ٢٨٤] مِن العام المخصوص بالعقل، أو مِن الذي أريد به الخصوص -على الخلاف السابق.
الثالث: إنما جاز التخصيص بالعقل على رأْيٍ ولم يَجُز النسخُ به؛ لأن النسخ رَفْع، والعقل لا يستقل بالرفع. ولا ينافي ذلك القول بأنَّ النَّسخ بيان؛ فإنَّ المراد بيان انتهاء المدة مع أنَّ الحكم قد ارتفع قطعًا كما سيأتي بيانه في محله.
نعم، ادَّعَى الإمام جواز النَّسخ بالعقل محتجًّا بأن مَن سقطت رِجْلاه، نُسِخ عنه غسلهما. وسيأتي تضعيف ذلك وأنَّ الإمام خالفه في موضع آخَر.
---------------
(¬١) مسند الشافعي (ص ٢٣٣). قال الألباني: صحيح. (صحيح الجامع الصغير وزيادته: ٢٠٨٥).
(¬٢) في (ش): غلظ.