ومُثِّل أيضا بنهي النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة بعد العصر، ثم صلَّى ركعتين بعد العصر، ولكن لها سبب؛ فحصل التخصيص.
الضرب الثالث:
التخصيص بتقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - واحدًا مِن المكلفان على خِلاف مُقْتَضَى العام، فهل يكون مخُصِّصًا إذا وُجِدت شرائط التقرير فيه؟
فإنْ كان قَبْل دخول وقت العمل به ولم تَثبت مساواة الذي قرره لغيره، كان تخصيصًا.
وإنْ ثبتت المساواة لجميع ما دل عليه الكلام أو كان بعد دخول وقت العمل، كان نَسخًا.
ومَثَّل الأستاذ أبو منصور ما يكون تخصيصًا بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "فيما سقت السماء العشر" وتَرْك - صلى الله عليه وسلم - أَخْذ الزكاة من الخضراوات.
قال ابن القطان: (وكذا تقريره على ترك الوضوء لِمَن نام قاعدًا).
نعم، التخصيص بالتقرير هل هو تخصيص بنفس تقريره؟ أو بما تضمنه مِن سَبْق قول به فيكون مُستدلًّا بتقريره على. أنه قد خُص بقول سابق؛ إذ لا يجوز لهم أن يفعلوا ما فيه مخالفة للعام إلا بإذن صريح، فتقريره دليل ذلك؛ وجهان حكاهما ابن القطان وإلْكِيَا.
قال ابن فورك والطبري: إن الظاهر الأول.
وكذا مُقْتَضَى كلام ابن القطان ترجيحه، وحينئذٍ فتكون صلاة النبي - صلى الله عليه وسلم - قاعدًا دليلًا على أن قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا صلي الإمام قاعدًا فصلوا قعودًا" (¬١) على أنهم لم يكونوا ليفعلوا ذلك وينتقلوا عن الحالة الأُولى إلا بشيء مُتقدِّم. وليس ذلك نقلًا عن الحال، إنما هو بناء على ما
---------------
(¬١) صحيح مسلم (٤١١)، وبنحوه في صحيح البخاري (١٠٦٣).