الثانية: أن تتقدم عادة في فِعل شيء على ورود عام شامل له ولغيره، فلا يكون العام منصرفًا إلى المعتاد فقط مخصَّصًا به، بل هو على عمومه فيه وفي غيره، إلا أن ذلك الذي جرت به العادة مراد قطعًا، وإنما الكلام في غيره.
وهذه التي قال الآمدي وابن الحاجب فيها: إن الجمهور على أن العادة تتناول بعض خاص ليس بمخصص، خلافًا للحنفية. مثل ما لو قال الشارع: (حرمتُ الربا في الطعام) وعادتهم تناول البُر، فيجري اللفظ على عمومه في كلِّ طعام.
وعليه يُحمل إطلاق الشيخ أبي إسحاق الشيرازي وابن السمعاني وغيرهما أنَّ العادة لا تُخصِّص.
قال الهندي بعد أن ذكر هاتين الحالتين: (إنَّ الحقَّ في هذه أنها لا تُخصص) (¬١).
وحينئذٍ فمَن ادَّعى أن مسألة "المحصول" ومسألة الآمدي وارِدتان على محل واحد حتى حاول الجمع بين كلاميهما (إمَّا بأنَّ مَن قال: "تُخصِّص" أراد أنه إذا قررها - صلى الله عليه وسلم -، ففي الحقيقة تقريره هو المخصِّم، ومَن قال: "ليس بمخصِّص" أراد إذا لم يطَّلع عليها ويقررها، أو بغير ذلك) ليس بِمُسلَّم، والصواب: أنهما مسألتان.
وممن صرح بأنهما لا تعلُّق لإحداهما بالأخرى: القرافي في "شرح التنقيح".
وممن صرح في الحالة الثانية بأن العادة لا تُخصص مِن أصحابنا: أبو حامد وسليم والصيرفي، وابن القشيري، قال: خلافًا لأبي حنيفة. لكن قال الشيخ أبو حامد: يجب الأخذ بالخبر واطِّراح العادة بلا خلاف.
وقال إمام الحرمين في "النهاية" في باب الزكاة في أنه يجب في خمس من الإبل شاة وأنه مُخيَّر بين غنم البلد وغيرها: (إنه - صلى الله عليه وسلم - قال: "في خمس شاة"، واسم الشاة يقع عليهما جميعًا،
---------------
(¬١) نهاية الوصول (٥/ ١٧٦٠).