ولفظ الشارع لا يُخصَّص بالعُرف عند المحققين من أهل الأصول) (¬١). انتهى
وقد استُفيد منه أن مرادهم بالعادة السابقة ليس اعتياد فِعل فقط، بل اعتبار الوجود ولو في ذوات، كما في وجود نوع غنم البلد.
الحالة الثالثة: أن تكون العادة جارية بإطلاق لفظ على بعض أفراد العام الدال عليها لغةً، نحو أن يكون عُرْفهم إطلاق "الطعام" على البُر مثلًا أو على المقتات، ثم يأتي النهي عن بيع الطعام بالطعام، فهذا تخصيص.
وهو في الحقيقة مِن تقديم الحقيقة العُرفية على اللغوية، وممن صرح بذلك الشيخ أبو حامد، فقال بعد ما حكيناه عنه مِن أن العادة بفعل شيء لا تخصِّص العام الآتي بَعْده: (فإنْ قيل: أليس قد خصصتم عموم لفظ اليمين بالعادة؟ فقُلتم: إذا حلف لا يأكل بيضًا أو لا يأكل الرءوس، فلا يحنث إلا بما يعتاد أكله من الرءوس والبيض. فهلَّا قلتُم في ألفاظ الشارع مثل ذلك؟
قيل: نحن لا نُخصِّص اليمين بعُرف العادة، وإنما نخصصه بِعُرف الشرع، مِثل: لا يُصلي ولا يصوم، فيحنث بالشرعي. أو بِعُرف قائم في الاسم، مِثل الحلف على أن لا يأكل البيض أو الرءوس، فيُعقَل مِن إطلاق هذا الاسم الرءوس التي تُقصد للأكل، فتخصيص اليمين بِعُرف قائم في الاسم. فأمَّا بعُرف العادة فلا يخصَّص، فإنه لو حلف لا يأكل خبزًا ببلدٍ لا يؤكَل فيه إلا خبز الأرز، حنث بأكل خبز غير الأرز وإنْ كان لا يعتاد أَكْله). انتهى
وممن نَص على أن العادة القولية تُخصِّص: الغزالي وإلْكِيَا وصاحب "المعتمد" والآمدي ومَن تبعه، وكذا القاضي عبد الوهاب والقرطبي.
وفي "شرح العنوان" لابن دقيق العيد: إنَّ الصواب التفصيل بين العادة الراجعة للفعل
---------------
(¬١) نهاية المطلب (٣/ ٨٢).