كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 4)

أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ} [البقرة: ٢٣١]: إنَّ الحكمةَ السُنَّةُ.
فأما تخصيص القرآن بالإجماع فمثَّلوه بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ} [النور: ٤] الآية، خُص بالإجماع على أنَّ العبد القاذف يُجلَد على النصف مِن الحُر. لكن التخصيص في الحقيقة إنما هو بما تضَمَّنه الإجماع من الدليل في الأصل على الحكم؛ إذِ الإجماع لا بُدَّ له من مُستنَد وإنْ لم نَعرفه.
نعم، في التمثيل بذلك نظر، وإليه أشرت في النَّظم بقولي: (وَفِيهِ يُوقَفُ). أي: يتوقف فيه من جهة احتمال أن يكون التخصيص بالقياس.
فإن قيل: لِمَ لا تقولون بأنَّ الإجماع يكون ناسخًا على معنى أنه يتضمن ناسخًا؟
فجوابه: أنَّ [سند] (¬١) الإجماع قد يكون مما لا يُنسخ به، فليس في كل إجماع تَضمُّن لِما يسوغ النسخ به.
وأما التخصيص فلَمَّا كان مِن البيان، كان كل دليل يخصَّص به ولو كان العام الذي يخصَّص قطعيًّا في المتن، فافترقَا.
وأما مَن قال: (النَّسخ بالإجماع ما وقع حتى يقول: إنه يتضمن ناسخًا، بخلاف التخصيص) فلا يخلو مِن نظر.
وبالجملة فمعنى تخصيص العام بالإجماع: أن يُجمِعوا على أنه مخصوص بدليل آخَر، فيَلزم مَن بَعْدَهم متابعتهم وإنْ جهلوا المخصِّص.
وليس معناه أن الإجماع نفسه مخُصِّص؛ لأن الإجماع في زمنه - صلى الله عليه وسلم - محُال، وبَعْده -على خِلاف الكتاب أو السُّنة- خطأ لا ينعقد.
---------------
(¬١) كذا في (ص، ق)، لكن في. (س): مستند.

الصفحة 1632