كتاب الفوائد السنية في شرح الألفية (اسم الجزء: 4)

السمعاني: أنه محل الحكم المشبه به، كالخمر في المثال السابق.
الثاني: أنه دليل الحكم. حكاه في "الملخص" عن القاضي، وحكاه صاحب "الواضح" عن المعتزلة، فيكون في المثال قوله تعالى: {فَاجْتَنِبُوهُ} [المائدة: ٩٠] وما في معنى ذلك من الكتاب والسنة والإجماع.
الثالث: أنه نفس الحكم الذي في الأصل، وهو كالتحريم في المثال؛ لأنه الذي يتفرع عليه الحكم في الفرع.
ثم أشار ابن الحاجب إلى أن "الأصل" في اللغة: "ما يَنْبَني عليه غيره"، فهو يساعد إطلاقه اصطلاحًا على كل مِن الثلاثة، فلا بُعْد في الجميع.
لكن هذا وإنْ كان مُسلَّمًا لكن الأول أَرْجَح من حيث إنَّ باب القياس مَرْجِعه إلى الفقهاء، وقد ساعدهم الأصوليون فيه على مصطلحهم وجروا في ذلك على مقتضَى قولهم، فلا يطلقون "الأصل" إلا على ما يُطلقه الفقهاء وهو محل الحكم المشبه به؛ لئلا يختبط الذهن بين الاصطلاحات.
ثم قال ابن الحاجب بعد ما نقلناه عنه: (ولذلك -أيْ لأجل أن الأصل "ما يَنْبَني عليه غيره"- كان الوصف الجامع فرعًا للأصل، أصلًا للفرع) (¬١).
ومراده أن الشيء الواحد يكون أصلًا باعتبار، فرعًا باعتبار. وهذا معنى قول الإِمام الرازي: (إنَّ الحكمَ أصلٌ في محل الوفاق، فرعٌ في محل الخلاف، والعِلة بالعكس) (¬٢).
وتحقيق ذلك: أنَّ الأصل إما إن يكون بالذات -أيْ بلا واسطة- أو بالعَرَض، أيْ: بواسطة أمر آخَر. فإنَّ أصلَ الأصل أصلٌ، فلا خِلاف في المعنى، بل في الاصطلاح.
---------------
(¬١) مختصر المنتهى (٣/ ١٤) مع شرحه.
(¬٢) المحصول (٥/ ١٧).

الصفحة 1872